وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتكف واعتكف أزواجه من بعده، وثبت عنه أنه اعتكف في العشر الأول، وفي العشر الوسطى، وفي العشر الأخيرة من رمضان ثم استقر على ذلك، اعتكافه في العشر الأواخر التماساً لليلة القدر التي جاء فيها الحديث الصحيح في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) إيماناً واحتساباً، تصديقاً بوعد الله -جل وعلا- واحتساباً لثوابه لا رياءً ولا سمعة وليلة القدر شأنها عظيم {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [(٣) سورة القدر] أكثر من ثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر، هذه الليلة شأنها عظيم على المسلم أن يحرص على قيامها، النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر أحيا ليله، وشد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، ومفهوم قوله:((أحيا ليله)) أنه لا ينام في هذه الليالي، وكان -عليه الصلاة والسلام- يخلط العشرين بقيام ونوم؛ لكن إذا دخلت العشر شد المئزر وطوي الفراش وأحيا الليل، مع أنه ما حفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- قيام ليلة كاملة اللهم إذا هذه العشر، وهذه العشر هي أفضل ليالي العام؛ لأن فيها ليلة القدر التي شأنها قدرها عظيم عند الله -جل وعلا-، فهي ذات قدر عظيم، أو من يقومها يكون له شأن وقدر عظيم، أو لأنها يقدر فيها ما يكون في أيام العام، المقصود أنها ذات قدر عظيم وشأن من وفق لقيامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن حرم القيام فقد حرم يعني لا أشد من هذا الحرمان، يعني ما يعادل ثلاثة وثمانين سنة ونصف في ليلة واحدة فضل الله عظيم، ولا يحد فضله؛ لكن الحرمان لا نهاية له، بعض الناس يجلس في المسجد ويصلى على الجنازة وهو جالس، أقول: يا أخي لك قيراط قم صلِ مع الناس، قم صلِ على الجنازة، أمثلة واقعية أيها الإخوان ما هي من فراغ، الحرمان لا نهاية له؛ لكن من أعظم الحرمان أن يحرم هذه الليلة العظيمة.
ولذا فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحيي هذه الليالي رجاء أن يصيب وهي تنتقل في ليالي العشر كل سنة في ليلة، ولذا جاءت النصوص الصحيحة مختلفة في هذا الباب.