وأما بالنسبة للنوافل فجاء الحث على الصيام ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) كثير من أهل العلم يحمل الحديث على أن المراد في سبيل الله، ابتغاء وجه الله -جل وعلا-، ولا يخصه بالجهاد، وإن كان الإمام البخاري أورد في الحديث في أبواب الجهاد، المراد في سبيل الله: الجهاد، كما أنه هو المراد في مصرف الزكاة، يراد به الجهاد، وبعضهم يعمم في البابين، وعلى كل حال هذا يدل على عظيم فضل الصيام.
وجاء الحث على صوم يوم عرفة، وأنه يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة، والاثنين والخميس، وأفضلهما الاثنين، وثلاثة أيام من كل شهر، حيث أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة وأبا الدرداء وأبا ذر، وكذلك جاء في بيان الثلاثة الأيام، وأنها البيض في السنن، فمن كان صائماً من كل شهر، فليصم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، ومن يصوم الاثنين تدخل فيه الثلاثة، لأن الأقل يدخل في الأكثر، لأنه حينئذ يصوم أربعة، صوم الاثنين والخميس يدخل فيها الثلاثة، ويدخل فيها الست بالنسبة لشوال.
وجاء الحث على الست شوال، ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كمن صام الدهر)) يعني: كمن عمره كله صائم، ولا يقال: إن صيام الدهر غير مشروع، إذن صيام الست غير مشروعة، لأن المشبه يلحق بالمشبه به، والعملية الحسابية واضحة، لأن الشهر بعشرة أشهر، والست عن ستين يوماً، فكأنه صام الدهر.
والتشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، إنما التشبيه في العدد، لا في المنع والحث، فصيام الدهر ممنوع، وصيام الست مع رمضان جاء الحث عليه، جاءت نصوص كثيرة صحيحة، تدل على عدم المطابقة من كل وجه، بين المشبه والمشبه به، فشبه الوحي بصلصلة الجرس، والجرس ممنوع، كما في صحيح مسلم، والوحي محمود، الجرس مذموم، لكن في تداركه وتتابعه يشبه صلصلة الجرس، قل مثل هذا في رؤية القمر مع رؤية الرب -جل وعلا-، كما جاء التشبيه في الحديث الصحيح، المشبه ليس كالمشبه به، وإنما تشبيه للرؤية بالرؤية، ونظائر ذلك كثيرة.