لكن بعض الناس يسلك سبيلاً طويلاً بعيداً شاقاً، وبعض الناس ييسر له السبيل، ويسهل عليه ويطلب العلم من أقرب وسائله وطرقه، ويختصر الوقت اختصاراً بيناً، ويكون ذلك -إذا هيأ الله -جل وعلا- من يأخذ بيده- من أول الطريق، ونلاحظ على كثير من طلاب العلم، ممن يتخرج في الكليات الشرعية بعد أن أمضى ستة عشر عاماً في الطلب يجده في النهاية لا يمكن أن يسمى ولا طويلب علم، بل هو إلى العامية أقرب؛ لأنه يعيش في مهامه وفي صحاري، وطرق متشعبة.
فطالب العلم يحتاج إلى من يأخذ بيده من أول الطريق، فإذا حث القرآن والسنة على العلم، ورفع منزلة العلماء، فلننظر إلى أقرب طريق وأخصره لتحصيل هذا المطلوب العظيم الذي جاء الحث عليه في الكتاب والسنة، وإذا كان الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة فيما يعرفه أو فيما يعرفه الناس في حياتهم العادية -الطريق المستقيم والخط المستقيم والصراط المستقيم- يقولون: إنه أقرب طريق يوصل بين نقطتين، وأنت الآن في مكانك هذا تبحث إلى أقرب طريق يوصلك إلى الغاية، وهي الجنة، فكيف نسلك هذا الطريق المختصر القريب.
العلم الذي جاء الحث عليه في النصوص إنما هو علم الكتاب والسنة، قال الله، وقال رسوله، علم الصحابة، علم السلف، وأما التشعبات التي جاءت من بعد إذا كانت لا تخدم نصوص الوحيين وتعيننا على فهم الكتاب والسنة، وتعيننا على كيفية الإفادة من نصوص الكتاب والسنة، فإنها لا شك أنها من الصواد عن هذا الصراط وعن هذا الطريق.
كثير ممن ينتسب إلى طلب العلم وقد أمضى في العمر ستة عشر عاماً -على أقل تقدير-، وتخرج من كلية شرعية يجد نفسه كالتائه في الصحراء، إذا قيل له: ابدأ بطلب العلم من أول الطريق، فاقرأ من الأصول الثلاثة والقواعد الأربعة، هو قرأ الأصول الثلاثة في المرحلة الابتدائية لكن لطول العهد قد يكون نسيها؛ لأنه لم يراجعها، ولم يحضر شروحها عند أهل العلم ولم يقرأ شروحها المطبوعة ولا المسجلة، نسيها، يحتاج إلى أن يبدأ الطريق من أول خطوة؛ ليختصر له الطريق، فهو بين أمرين: