حضر معنا بعض عن المشايخ بعض الناس أدركناه في الخامسة والسبعين من العمر، درس على شيوخنا وعلى شيوخهم، وكان زميلاً لشيوخيهم، فدرس مع الشيوخ ومع شيوخهم، ودرس مع الطلاب وتأخر عنا في الطلب حتى مات، ما يقرب عن تسعين سنة، لكنه بالفعل ما أدرك شيء؛ لأنه إذا سمع شيئاً يحثه على العمل عمل به، فهذا مع صدق النية سهل الله -جل وعلا- به طريقاً إلى الجنة، فالنتيجة مضمونة، النتيجة في الآخرة مضمونة، لكن في الدنيا هل ضمن لك أن تكون عالم؟ لا ما ضمن لك أن تكون عالم؛ ولذا اليأس ما هو بوارد، ليس بوارد، لا في العلم ولا في العمل؛ لأن بعض الناس –أيضاً- بالنسبة للعمل، يقول: حاولت وعجزت، كيف حاولت؟ حاولت الإخلاص وما قدرت، يأتي كثير من طلاب العلوم الشرعية، والكليات، يقولون: والله نحن حاولنا الإخلاص، ومن شرط العلم الإخلاص؛ لأنه من أمور الآخرة المحضة، لا يجوز فيه التشكيك، فأخشى أن أكون من أول ما تسعر بهم النار، أترك طلب العلم، يقال له: لا تترك ولا تيأس، الترك ليس بحل، الترك ليس بحل، لكن عليك أن تجاهد، تجاهد نفسك، وحينئذ إذا علم الله منك صدق النية أعانك.
بعض الناس يقول: حاولت قيام الليل، وجاهدت نفسي وعجزت، نقول: السلف كابدوا قيام الليل سنين، ولا بد من تجاوز المرحلة، مرحلة الاختبار، فإذا تجاوزت مرحلة الاختبار ونجحت في الأخير تتلذذ، فالطلب في بداية الطلب، -طلب العلم شاق-، أقرانك وأقاربك في استراحات مبسوطين على ما قالوا، يتمشون وينبسطون ويتجاذبون أطراف الحديث وينظرون إلى أخبار العالم، وأنت جالس بزاوية في بيتك تقرأ كتاب أو في مسجد بين يدي الشيخ.
فالنفس فيها صراع، في أول الأمر، لكن هذه مرحلة امتحان، فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله -جل وعلا-، وأخلصت وصدقت اللجأ إليه لا شك أنك تكون في نعيم، في جنة، لا يدركها أمثال هؤلاء، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- وكما قال من قبله، يعني هم في جنان لو يعلم بها الملوك لجالدوهم بالسيوف.