ولست بحاجة إلى أن أبين لكم ما ورد من النصوص في فضل العلم، من ذلك ما سمعناه في قراءة إمامنا جزاه الله خير، {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [(١٢٢) سورة التوبة] وهذه الجامعة العريقة تمثل تطبيق هذه الآية، فمن كل بلد من بلدان المسلمين نفرت طائفة قلوا أو كثروا، وطائفة تطلق على الجماعة كما تطلق على الواحد، فهذا فيه امتثال لهذا التوجيه الإلهي، ولم يؤمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاستزادة من شيء إلا من العلم، كما قرأ إمامنا في الركعة الثانية قول الله -جل وعلا-: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(١١٤) سورة طه] وجاء في الحديث الصحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ونحتاج من هذا أن نوضح المراد بالفقه في الدين لا كما يفهمه بعض الناس الذين صبت عنايتهم إلى معرفة الأحكام من الحلال والحرام، وهذا في غاية الأهمية في حياة طالب العلم؛ لكنه باب من أبواب الدين، وأهم منه ما عرف عند علماء الأمة بالفقه الأكبر.
المراد بالفقه في الدين هنا، الفقه في الدين من جميع أبوابه، ولذا لما سأل جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان في النهاية في آخر الحديث قال:((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فالفقه في الدين هو العلم بالدين بجميع أبوابه.
فإذا كان بعض أبواب الدين مهملاً بين بعض المتعلمين فعليهم أن يلتفتوا إليه، إذا كانت الأبواب التي كانت في غاية الأهمية من سلف هذه الأمة التي تدعو طالب العلم إلى العمل بعلمه، كانت محل عناية أهل العلم من المتقدمين أمثال الرقاق والحكم والاعتصام، وغيرها من أبواب الدين التي تدعو طالب العلم وتحثه على العمل بعلمه فهي كالسياط تسوقه سوقاً إلى العمل بما تحمله من علم الحلال والحرام.