بعد ذلك، بعد الحفظ العمل، والعمل من أعظم وسائل تثبيت العلم والعلم بدون عمل لا قيمة له؛ لأن القرآن ما أنزل إلا للعمل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بين ما نزل إليه في سنته من أجل أن يعمل به؛ لأن البيان يكون للمجمل، والمجمل لا يمكن أن يعامل به {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [(٤٣) سورة البقرة] وبعدين؟ كيف نقيم الصلاة؟ ببيانه -عليه الصلاة والسلام- بقوله وفعله، ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) حصل البيان، وعرفنا هذا البيان، ثم لم نعمل به إيش الفائدة؟ علم بدون عمل كشجر بلا ثمر، نخلة فحل لا تنبت بمفردها للزينة ما الفائدة منها؟ أو من الشجر الذي يجعل كالمنظر في الشوارع وفي بيوت بعض العلية من القوم، هذه لا قيمة لها، مثل العلم بلا عمل، إن كان يتخذ العلم لا للعمل بل للزينة كما تتخذ هذه الأشجار، هذه حقيقة مرة، هذه حجة على من تحمل هذا العلم، فعلى طالب العلم أن يعمل بما يعلم، ويذكر هنا من باب أنه من أعظم ما يعين على تثبيت العلم وترسيخه في الذهن.
ثم النشر، إذا تعلم استمر فهم، حفظ، عمل بنفسه، نشر علمه، نشر علمه للآخرين؛ لكي يستفاد منه، و ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) وتصور أن بعض الناس تجرى لهم الأجور مئات السنين، كيف تجرى لهم مئات السنين؟ ((أو علم ينتفع به)) ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. . . . . . . . . أو علم ينتفع به)) طيب انتفع هذا الجيل وانقرضوا؛ لأن بعض الناس يقول: العلم الذي ينتفع به خاص بالتصنيف، هو الذي يستمر، أما بالنسبة للتعليم ينقطع بانقطاع الجيل الذي علمته، بعد ذلك ينتهي، لا يا أخي ما ينتهي، فضل الله واسع، أنت علمت زيد، ومعه مائة من الطلاب، زيد هذا علم مائة، وهؤلاء أجورهم مثبتة لزيد، وأجورهم وأجور زيد مع أجورهم تثبت في أجرك أنت، فالأمر عظيم جداً، وفضل الله -جل وعلا- لا يحد؛ لكن نحتاج إلى أن نطلب العلم بنية خالصة، ونتعلم وننشر ونعلم ونؤلف بنية خالصة صالحة؛ لأن العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة، التي لا تقبل التشريك، فإما أن يكون مع السفرة الكرام البررة، مع النبيين والصديقين، وإما أن يكون من أول من تسعر بهم النار، نسأل الله السلامة والعافية.