فعلينا أن نعنى بهذا الشأن، ونخاف منه أشد الخوف، فالنشر لا شك أنه يوسع دائرة الأجر، فلك أجرك ولك عملك، ولك أجر من دللته على الخير والدال على الخير كفاعله، والنشر يكون بالتعليم والتعليم من أقوى وأعظم وسائل التحصيل، المعلم أول ما يبدأ بالتعليم، يعني علومه محدودة بقدر ما حفظه وفهمه عن شيوخه، ومن مفحوظاته؛ لكن إذا علم الناس لا شك أن علومه تنمو وتزداد، وبركة آثار العلم تظهر عليه مع النية الصالحة الخالصة، وإلا إذا لم يعلم غيره لا يلبث أن ينسى ما تعلمه، ولنا عبرة بمن تعلم وتسلم المناصب العليا، وكان يشار إليه بالبنان، يشار إليهم، علماء كبار، ثم بعد ذلك تركوا التعليم وانصرفوا عنه، نعم هم على خير، وعلى ثغور في مصالح العامة؛ لكن مع ذلك تركوا التعليم، فانحسر علمهم، أخذ يتراجع، والنسيان آفة من آفات تحصيل العلم، النسيان معروف ما سمي الإنسان إلا لنسيانه.
وكثير من الطلاب الذين مروا علينا أثناء التدريس في الجامعة نوابغ، وتجدهم مع الأوائل، وتسأل في القاعة وفي الفصل تجدهم ما شاء الله مبرزين في تحصيلهم، وقد فاقوا أقرانهم؛ لكن يتوظف بعد التخرج بوظيفة إدارية شأنه الكتابة، نعم الكتابة ما ينسى الكتابة؛ لأنه يزاول الكتابة؛ لكن العلم إذا مضى عليه سنة نسي قدر من علمه، سنتين ينسى أكثر، ثلاث سنوات ينسى، خمس سنوات عشر سنوات يعود عامي أو في حكم العامي، فعلينا أن نتابع التحصيل والنشر، التعلم والتعليم.
فالتعلم لا حد له، "تفقهوا قبل أن تَسُودُوا"، أو "تُسوّدوا"، قال أبو عبد الله البخاري:"وبعد أن تسودوا" لأنكم إذا سودتم ووقفتم على الحد نسيتم ذلك.
يقول:"فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بنية صادقة على ما يحبه الله"، يعني على الجادة المعروفة المأثورة عن سلف هذه الأمة، المبنية على الدليل على ما يحبه الله، ألهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نوراً، فهو ينظر بنور الله.
هناك أمور ولا أريد أن أكرر ما ذكرته في اللقاء السابق، ولا ما ذكرته في مناسبات وسجلت وتداولها الإخوان من كلام؛ لكن عندنا فيما يتعلق في ظرفنا الذي نعيشه: