للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كيف يكون خطر القاضي أعظم من خطر المفتي؟ لأنه؛ لأن القضاء بيان الحكم مع الإلزام، فيلزم الخصمين، والمفتي لا يلزم، لكن القاضي يقضي في مسألة واحدة معينة، والمفتي إذا أفتى بحكم شرعي اطرد، اطرد فلو قال شخص: ما حكم كذا، لهذا الذي يفتي، قال: الجواز، أو التحريم، ثم وقعت نظائر لهذه المسألة قيل: إن الشيخ فلان أفتى بكذا، ولا يحتاج أن يسأل مرة ثانية، يقول: "وعليه من زيادة الخطر ما يختص به ولكن خطره أعظم من جهة أخرى فإن فتواه شريعة عامة تتعلق بالمستفتى وغيره". تتعلق بالمستفتى وغيره، وأما الحاكم فحكمه جزئي خاص لا يتعدى إلى غير المحكوم عليه، وله فالمفتي يفتي حكماً عاماً كلياً أن من يقول: كذا، ترتب عليه كذا، ومن قال كذا لزمه كذا، والقاضي يقضي قضاءً معيناً على شخص معين فقضاؤه خاص لكنه ملزم، وفتوى العالم عامة لكنها غير ملزمة، فكلاهما أجره عظيم، وخطره كبير".

جاء في الحديث وفيه كلام لأهل العلم رجحوا إرساله: ((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار))، ثم رجح إرساله، يعني لا يثبت صحيحاً، وإن كان بعضهم يحسنه، لكنه قد لا يصل إلى درجة التحسين.

يقول المناوي في شرح الجامع الصغير في شرح هذه الحديث: ((أجرؤكم)) يعني أقدمكم، يعني أسرعكم إقداماً على إجابة السائل عن حكم شرعي من غير تثبت وتدبر، والإفتاء بيان حكم المسألة ((أجرؤكم على النار)) أقدمكم على دخولها؛ لأن المفتي مبين على الله حكمه، فإذا أفتى على جهل أو بغير علم أو بغير ما علمه أو تهاون في تحريره، أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبار، {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} [سورة يونس: ٥٩]، هذه فرية على الله -جل وعلا-.

يقول الزمخشري: "كفى بهذه الآية زاجرة زجراً بليغاً عن التجوز فيما يسأل من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيها، وأن لا يقول أحد في شيء جائز إلا بعد إتقان وإيقان ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت، وإلا فهو مفتر على الله تعالى".