للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تسارع، الصحابة يتدارؤن ويتدافعون الفتيا، لكن إذا تعينت أجابوا، لا يجوز كتمان العلم، فالسؤال عما لم يقع لا سيما إذا كان على سبيل التعالي والترفع من قبل السائل أو من أجل تعنيت المسئول وإظهار عدم علمه للسامع فهذا قد جاء النهي عنه.

طيب طلاب العلم مع شيخهم في درسهم أو الشيخ نفسه يذكر أحكام ويشقق مسائل لتربية هؤلاء الطلاب وتعليمهم وتمرينهم على الاستنباط، هل هذا من المذموم؟ كتب الفروع كتب الفقه مملوءة من المسائل التي لم تقع، ومنها ما يجزم بعدم وقوعه، ومنها ما يندر وقوعه، فهل مثل هذا ممدوح وإلا مذموم؟ هل هو مثل السؤال عما لم يقع؟ يعني اترك هذه المسائل حتى تقع فإذا وقعت فاسأل عنها، وإن كنت أهلاً فاستنبط حكمها من النصوص.

مثل هذه المسائل التي يفترضها أهل العلم لا سيما إذا كانت متصورة الوقوع، هذا لا يدخل في النهي، ولذا أهل العلم على مراتب، منهم من يعنى بحفظ النصوص من الكتاب والسنة، حفظ الآثار لكنه لا يكلف نفسه الاستنباط من هذه الآثار، إنما يحفظ هذه الأحاديث ويرى أن الاستنباط خلط للرأي بالأثر، يرى أن الاستنباط من هذه النصوص يكون فيها خلط؛ لأن الاستنباط إنما يكون بالرأي، الرأي المعتمد على هذا الأثر، يعني ليس الرأي المجرد، فهؤلاء يصدق فيهم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((رب حامل فقه غير فقيه)) ((رب مبلغ أوعى من سامع)) هؤلاء يحفظون الدين، يحفظ الله بهم الدين إذا حفظوا الآثار، وهم قطاع كبير من الرواة، كثير منهم ليس بأهل للاستنباط إنما يحفظ، من أهل العلم وهم فقهاء الأمة الكبار، فقهاء أهل الحديث كمالك والشافعي وسفيان وأحمد وإسحاق وغيرهم، هؤلاء حفظوا لنا الدين، بحفظ النصوص واستنبطوا منها، هؤلاء استنبطوا منها، يعني هل مالك مجرد راوي؟ لا، راوي ويستنبط من النصوص فقيه، الشافعي، الإمام أحمد، سفيان، أبو عبيد، هؤلاء كلهم أئمة، أئمة حفاظ للأثر، وهم أيضاً من كبار فقهاء الأمة، وعليهم المعول بالنسبة لمن جاء بعدهم.