للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كثيراً ما يصل الإنسان إلى رتبة من العلم، ويقرأ في تفاسير الأئمة الشيء الكثير، ثم يسأل عن تفسير آية، أو يقرأ شروح الحديث، ثم يُسأل عن معنى حديث لا يذكر فيه قول لقائل معين، لكنه من خلال قراءاته واطلاعه الواسع على كلام أهل العلم، تكونت لديه ملكة، بحيث يظهر له معنى الآية أو معنى الحديث، مثل هذا هو التفسير بالرأي المستند إلى أقوال أهل العلم، وإلا لو نظرنا في تفاسير الأئمة الموثوقين، لا سيما بعد عصور الرواية، تجد كثير منهم يدخل في تفسيره من كلامه الشيء الكثير، واستظهاراته ظاهرة في كتابة، هل نقول: إن هذا من التفسير بالرأي الممنوع، أو نقول: إن هذا ما دام أدام النظر في كلام أهل العلم، وفي أقوال المفسرين، وما جاء في التفسير المأثور، تكونت لديه هذه الملكة فصار موازياً لمن أخذ عن سلف هذه الأمة، يعني لو على سبيل المثال نظرنا إلى تفسير الشيخ ابن سعدي، هل فيه كلمة مضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو مضافة إلى صحابي أو تابعي؟ لا، كله من إنشاء الشيخ، هل نقول: إن هذا تفسير بالرأي لا يجوز؟ هو منتقى من تفاسير السلف، لكن لا يلزم إضافة كل قول إلى قائله لا سيما إذا كان للمؤلف دور في الصياغة، والتعبير عن الأقوال الكثيرة بألفاظ وجيزة، مثل هذا لا شك أنه ينطلق من أصل أصيل، وأساس متين، يعتمد على التفسير المروي عن سلف هذه الأمة؛ لأن هذا قد يلتبس، يقول: لماذا نقول: الزمخشري بالرأي حرام، الرازي بالرأي حرام، ونقول لأناس آخرين ليس؟ نقول: لا يا أخي، الرازي خالف السلف فيما قرره في التفسير، خرج عن طريق السلف ومنهج السلف وسنن السلف، الرازي كذلك، الزمخشري وغيرهما ممن فسر من المبتدعة، لكن من نظر في تفاسير السلف وأدام النظر فيها تتولد لديه ملكة يستطيع أن يتعامل بها مع نصوص الكتاب على طريقة السلف وهدي السلف، وقل مثل هذا في معاني ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا يجعلنا نديم النظر في كلام أهل العلم الموثوقين ممن هم على الجادة، ولا مانع أن ننظر في أقوال المخالفين والمعارضين من أجل أن نحذر هذه الأقوال ونتصور هذه الأقوال؛ لئلا نقع من حيث لا نشعر بمثل ما وقعوا فيه، وهذا للمتأهل، هذا للمتأهل.