يقول ابن المنكدر:"المفتي يدخل بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يفعل فعليه التوقف والتحرز لعظم الخطر". وكان ابن عمر -رضي الله عنه- إذا سئل قال:"اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمر الناس وضعها في عنقه" وكان الولاة في عصر السلف من أهل العلم، وجاء رجل من العراق أو من الشام كما في صحيح مسلم يسأل ابن عمر عن مسألة في المناسك، فقال: اذهب انظر ابن عباس، اذهب إلى ابن عباس، ابن عباس ند لابن عمر، ونظير له في السن، وعند ابن عمر من الجوانب ما لا توجد عند ابن عباس، والعكس أيضاً، يعني جانب العلم في ابن عباس أظهر وجانب العمل والعبادة في ابن عمر أظهر، ولذلك قال السائل لما قال له ابن عمر كما في صحيح مسلم: اذهب إلى ابن عباس، فقال: ذاك رجل مالت به الدنيا، ومال بها.
فالناس عامة الناس يثقون بالعالم الذي لا يتوسع في أمور دنياه، نحن لا نقول أن ابن عباس ارتكب محرمات، وجلب الأموال من غير حلها، وصرفها في غير حلها، كلا، ليس بصحيح، لكنه توسع في الدنيا أكثر من ابن عمر، ابن عمر شدد على نفسه شيئاً، ومع ذلك هو من أهل التحري وأهل الورع، وأهل التثبت ولا يقال لابن عباس متساهل، ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، لكن عامة الناس تجدهم يثقون في صاحب العمل أكثر من غيره، وإن كانوا لا يميزون أيهما أعلم، هو لا يدري أيهما أعلم، لكن شهرة ابن عمر في تتبع آثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، والاقتداء به والائتساء به، جعلته يكون راجحاً عند هذا، وإلا فلا شك أن العلماء عندهم من الناحية العلمية ابن عباس أرجح.