إذا انتهى فعليه أن يطوف للوداع، فهو واجب من واجبات الحج، ثبت الأمر به، بعد أن أتم الحج، وخُفف عن الحائض والنفساء، وأعفين من طواف الوداع، وهذا دليل على وجوبه، إذ لو كان سنة لما احتاجت الحائض والنفساء أن يخفف عنهم، وليس بركن؛ لأن الركن لا يعفى عنه أحد، فدل على أنه واجب من واجبات الحج، وكونه -عليه الصلاة والسلام- يأمر به في الحج ولم يأمر به في العمرة، اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عُمَر، ولم يثبت عنه أنه أمر بالوداع بعد العمرة، دل على أنه من واجبات الحج دون العمرة، وهذا قول الأكثر، وهو الظاهر.
فإذا طاف للوداع سافر، ورجع إلى أهله، بعد أن حرص على أداء الحج على الوجه الشرعي بشروطه وأركانه وواجباته وسننه؛ وحرص على أن يكون حجه مبروراً، ثم بعد ذلك تكون حاله بعد الحج أفضل من حاله قبله؛ ليكون ذلك برهاناً على بر هذا الحج، وقبوله من عند الله -جل وعلا-، بعض الناس يسعى بعد طواف القدوم، وهو مفرد أو قارن، ثم لا يبقى عليه إلا طواف الإفاضة، والسعي انتهى منه يؤخره إلى قرب مغادرته إلى أهله ويكتفي به عن طواف الوداع، وهذا صحيح؛ لأنه لا حد لآخر وقت طواف الإفاضة، وإن كان السنة أن يكون في يوم العيد؛ لكن إن أخره واكتفى به عن طواف الوداع أجزأه على أن ينوي به طواف الإفاضة، وتدخل العبادة الصغرى بالكبرى، كما هي القاعدة المقررة عند أهل العلم.