قال ابن عباس: إنكم معشر الأعاجم فقد وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
أي فاصدقوا في الحكم والشهادة وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى
محذوف الاسم يعني ولو كان المحكوم والمشهود عليه ذا قربة وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
يتّعظون.
قال ابن عباس: هذا الآيات محكمات لم ينسخهنّ شيء في جميع الكتب وهنّ محرّمات على بني آدم كلّهم وهنّ أمّ الكتاب من عمل بهن دخل الجنّة ومن تركهن دخل النار.
قال كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده إنّ هذا لأوّل شيء في التوراة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ... قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الآيات.
وقال الربيع بن خيثم لأصحابه: ألا أقرأ عليكم صحيفة عليها خاتم محمد صلّى الله عليه وسلّم لم يفك فقرأ هذه الآية قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ وَأَنَّ هذا يعني وصّاكم به في هاتين الآيتين صِراطِي طريقي وديني مُسْتَقِيماً مستويا قويما فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ يعني الطرق المختلفة التي عداها مثل اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات فَتَفَرَّقَ فيمتدّ وتخالف [وتشتت] بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ عن طريقه ودين النبيّ الذي ارتضى وبها وصّى ذلِكُمْ الذي ذكرت وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني ثمّ قل يا محمد لهم آتينا موسى الكتاب، لأنّ موسى أوتي الكتاب قبل محمد عليهما الصلاة والسلام. وقيل: ثمّ بمعنى الواو لأنّهما حرفا عطف قال الشاعر:
قل لمن ساد ثمّ ساد أبوه ... ثمّ قد ساد قبل ذلك جدّه «١»
تَماماً نصب على القطع، وقيل: على التفسير عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ قال بعضهم: معناه تماما على المحسنين. ويكون (الَّذِي) بمعنى (من) وتقديره على الذين أحسنوا، لفظه واحد ومعناه جمع كما تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحجّ يريد الغازين والحاجين.
وقال الشاعر:
شبّوا عليّ المجد وشابوا واكتهل
يريد: واكتهلوا.
يدلّ عليه قراءة عبد الله بن مسعود (على الذين أحسنوا) .
وقال أبو عبيد: معناه على كل من أحسن، ومعنى هذا القول أتممنا [طلب] موسى بهذا الكتاب، على المحسنين يعني أظهرنا فضله عليهم، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون. وقيل:
(١) البيت لأبي نؤاس في مدح العباس بن عبيد الله، كما في شرح الرضي على الكافية: ٤/ ٣٩٠.