النساء إلّا زينب، ولا يجوز لا ترى إلّا زينب، وقال سيبويه: معناه (لا ترى) أشخاصهم. إِلَّا مَساكِنُهُمْ وأجرى الفرّاء هذه الآية على الاستكراه، وذكر أنّ المفضل أنشده:
نارنا لم تر نارا مثلها ... قد علمت ذاك معدّ كرما «١»
فأنّث فعل مثل لأنّه للنّار، قال: وأجود الكلام أن يقول: لم تر مثلها نار.
وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة ويعقوب وخلف (بياء) مضمومة مَساكِنُهُمْ رفعا واختاره أبو عبيدة رفعا وأبو حاتم. قال الكسائي: معناه لا يُرى شيء إِلَّا مَساكِنُهُمْ.
وقال الفرّاء: لا يرى الناس لأنّهم كانوا تحت الرمل، فإنّما يرى مساكنهم لأنّها قائمة.
وقرأ الباقون (تَرى) (بتاء) مفتوحة (مساكنَهم) نصبا على معنى (لا ترى) يا محمّد (إلّا مساكنَهم) .
كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢٦ الى ٣٢]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨) وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠)
يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢)
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ أي فيما لا يمكنكم فيه من بسطة الأجسام، وقوّة الأبدان، وطول العمر، وكثرة المال.
وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ يا أهل مكّة.
مِنَ الْقُرى كحجر ثمود، وأرض سدوم ونحوهما.
وَصَرَّفْنَا الْآياتِ الحجج والبيّنات وأنواع العبر والعظات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عن كفرهم، فلم يرجعوا، فأهلكناهم، يخوّف مشركي قريش. فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً
(١) جامع البيان للطبري: ٢٦/ ٣٦.