قالوا: فمن اغْتَرَفَ غُرْفَةً كما أمر الله سبحانه، قوي قلبه وصحّ إيمانه وعبر النهر سالما وكفته تلك الغرفة الواحدة لشربه وحمله ودوابه، والذين شربوا وخالفوا أمر الله، سوّدت شفاههم وغلبهم العطش فلم يرووا وبقوا على شط النهر وجبنوا عن لقاء العدو ولم يشهدوا الفتح.
فَلَمَّا جاوَزَهُ يعني النهر هُوَ يعني طالوت وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ يعني القليل قالُوا الذين شربوا وخالفوا أمر الله عزّ وجلّ وكانوا أهل شك ونفاق لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ وانصرفوا عن طالوت ولم يشهدوا قتال جالوت.
قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ يوقنون ويعلمون أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ وهم الذين ثبتوا مع طالوت كَمْ وقرأ أبيّ: كائن مِنْ فِئَةٍ جماعة وهي جمع لا واحد له من لفظه، وجمعها فئات وفئون في الرفع، وفئين في النصب والخفض قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ معينهم وناصرهم.
قال الزجّاج: إنّما قيل للفرقة فئة من فأوت رأسه بالعصا وفائته إذا شققته كأنّها قطعة.
وَلَمَّا بَرَزُوا يعني طالوت وجنوده المؤمنين لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ المشركين ومعنى بَرَزُوا صاروا بالبراز من الأرض وهو ما ظهر واستوى قالُوا وهم أهل البصيرة والطاعة رَبَّنا أَفْرِغْ أنزل وأصبب عَلَيْنا صَبْراً كما يفرغ الدلو وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وقوّ قلوبنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ وفي الآية إضمار تقديرها: فأنزل الله عليهم صبرا ونصرا فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ.
[صفة قتل داود جالوت]
قال المفسّرون بألفاظ متشابهة ومعان متّفقة: عبر النهر فيمن عبر مع طالوت أيضا أبو داود في ثلاثة عشر ابنا وكان داود أصغرهم، فأتاهم ذات يوم فقال: يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلّا صرعته فقال: أبشر فإنّ الله جعل رزقك في قذافتك، ثم أتاه مرّة أخرى فقال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا فركبته وأخذت بأذنيه ولم يهمّني، فقال: أبشر يا بني فإنّ هذا خير أعطاكه الله.
ثم أتاه يوما آخر فقال: يا أبتاه إنّي لأمشي بين الجبال فاسبّح فما يبقى جبل إلّا يسبّح معي، فقال: أبشر يا بني فإنّ هذا خير أعطاكه الله.
قالوا: فأرسل جالوت إلى طالوت أن ابرز اليّ من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم، فشقّ ذلك على طالوت فنادى في عسكره من يقتل جالوت زوّجته ابنتي وناصفته ملكي، فخاف الناس جالوت فلم يجبه أحد.