وقال مجاهد: لم يجعل الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان، ولكن خلق كلّ شي فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً.
وقال عطيّة: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ يعني صورته.
وقال الضحّاك: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، يعني اليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للبصر والأذن للسمع.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا عبد الرّحمن بن محمد الزهري قال: حدّثنا أحمد ابن سعيد قال: حدّثنا سعيد بن سليمان عن إسماعيل بن زكريا عن إسماعيل بن أبي صالح، أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى قال: هداه لمعيشته.
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ يعني شكله، للإنسان الزوجة وللبعير الناقة وللفرس الرمكة وللحمار الأتان ثُمَّ هَدى أي عرّف وعلّم وألهم كيف يأتي الذكر الأنثى في النكاح «١» . وقرأ نصير خَلَقَهُ بفتح اللام على الفعل.
قالَ فرعون فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى وإنّما قال هذا فرعون لموسى حين قال موسى:
إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، فقال فرعون حينئذ له: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى التي ذكرت؟ ف قالَ موسى عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ يعني اللوح المحفوظ، وإنّما ردّ موسى علم ذلك إلى الله سبحانه لأنّه لم يعلم ذلك، وإنّما نزلت التوراة عليه بعد هلاك فرعون وقومه لا يَضِلُّ رَبِّي أي لا يخطئ وَلا يَنْسى فيتذكّر، وقال مجاهد: هما شيء واحد.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً قرأه أهل الكوفة بغير ألف أي فرشا، وقرأ الباقون مهادا أي فراشا واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ولم يختلفوا فيه أنّه بالألف.
وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا أي أدخل وبيّن وطرّق لكم فيها طرقا. وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً أصنافا مِنْ نَباتٍ شَتَّى مختلف الألوان والطعوم والمنافع من بين أبيض وأحمر وأخضر وأصفر، ووهب كلّ صنف زوجا، ومنها للدوابّ ومنها للناس ثمّ قال كُلُوا وَارْعَوْا أي ارتعوا أَنْعامَكُمْ يقول العرب: رعيت الغنم فرعت لازم ومتعدّ.
إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرت لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى أي لذوي العقول، واحدها نهية، سمّيت بذلك لأنّها تنهى صاحبها عن القبائح والفضائح وارتكاب المحظورات والمحرّمات.
(١) في نسخة أصفهان: قوله: أي عرّف.... النكاح تأتي بعد قوله: على الفعل.