[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٧٣ الى ٧٨]
يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧)
وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٧٨)
يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ معنى ضرب: جعل، كقولهم: ضرب السلطان البعث على الناس، وضرب الجزية على أهل الذمّة أي جعل ذلك عليهم، ومنه قوله وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ «١» والمثل حالة ثابتة تشبه بالأولى في الذكر الذي صار كالعلم، وأصله الشبه، ومعنى الآية: جعل لي المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي.
فَاسْتَمِعُوا لَهُ حالها وصفتها التي بيّنت وشبّهتها بها، ثم بيّن ذلك فقال عزّ من قائل إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قراءة العامة بالتاء، وروى زيد عن يعقوب يدعون بالياء لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً في صغره وقلّته لأنّها لا تقدر على ذلك وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ لخلقه، والذباب واحد وجمعها القليل أذبنة والكثير ذبّان، مثل غراب وأغربة وغربان وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ يعني الأصنام، أخبر عنها بفعل ما يعقل، وقد مضت هذه المسألة، يقول: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً مما عليهم لا يقدرون أن يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ.
قال ابن عباس: الطالب الذباب والمطلوب الصنم، وذلك أن الكفّار كانوا يلطّخون أصنامهم بالعسل في كلّ سنة ثم يغلقون عليها أبواب البيوت فيدخل الذبّان في الكوى فيأكل ذلك العسل وينقيها منه فإذا رأوا ذلك قالوا: أكلت آلهتنا العسل.
الضحّاك: يعني العابد والمعبود.
ابن زيد وابن كيسان: كانوا يحلّون الأصنام باليواقيت واللآلي وأنواع الجواهر ويطيّبونها بألوان الطيب، فربما يسقط واحد منها أو يأخذها طائر أو ذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها، فالطالب على هذا التأويل الصنم والمطلوب الذباب والطائر.
ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي ما عظّموا الله حقّ تعظيمه، ولا عرفوه حقّ معرفته ولا وصفوه حقّ صفته إذ أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف به.
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ اللَّهُ يَصْطَفِي يختار مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا كجبرئيل وميكائيل وغيرهما وَمِنَ النَّاسِ أيضا رسلا مثل إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم من الأنبياء
(١) سورة البقرة: ٦١.