وقال قطرب: وهذا سائغ في كلام العرب وحكي عن بعضهم أنه قال: سمعت بعض العرب يقول: أكلوني البراغيث قال الله سبحانه ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وقال الشاعر:
بك نال النصال دون المساعي ... فاهتدين النبال للأغراض «١»
ويحتمل أن يكون محل الذين رفعا على الابتداء، ويكون معناه وأسرّوا النّجوى، ثمّ قال هم الذين ظلموا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أنّه سحر قالَ رَبِّي
قرأ أكثر أهل الكوفة (قالَ) على الخبر عن محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقرأ الباقون «قل» على الأمر له يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم الْعَلِيمُ بأفعالهم بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي أباطليها وأهاويلها بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ يعني أنّ المشركين اقتسموا القول فيه: فقال بعضهم: أَضْغاثُ أَحْلامٍ، وقال بعضهم: بَلِ افْتَراهُ، وقال بعضهم: بل محمد شاعر، وهذا الذي جاءكم به شعر، لأنّ بل تأتي لتدارك شيء ونفي آخر.
فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ إن كان صادقا كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ من الرسل بالآيات.
قال الله سبحانه مجيبا لهم ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أهل قرية أتتها الآيات فأهلكناهم أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ إن جاءتهم آية ...
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ وهذا جواب لقولهم هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أي التوراة والإنجيل يعني علماء أهل الكتاب إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وقال ابن زيد: أراد بالذكر القرآن يعني فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن،
قال جابر الجعفي:
لما نزلت هذه الآية قال عليّ: نحن أهل الذكر.
وَما جَعَلْناهُمْ يعني الرسل الأولين جَسَداً قال الفرّاء: لم يقل أجسادا لأنّه اسم الجنس لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ يقول: لم نجعلهم ملائكة، بل جعلناهم بشرا محتاجين إلى الطعام، وهذا جواب لقولهم مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ في الدنيا ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ الذي وعدناهم هلاك أعدائهم ومخالفيهم وإنجائهم ومتابعيهم فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ المشركين.
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ قال مجاهد: حديثكم، وقيل: شرفكم.
أَفَلا تَعْقِلُونَ.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ١١ الى ٢٩]
وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥)
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)
(١) تفسير القرطبي: ١١/ ٢٦٩.