للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فقام الأقرع بن حابس، فقال: إنّي والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، وإنّي قد قلت شعرا، فاسمعه منّي، فقال: هات، فقال:

أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... إذا خالفونا عند ذكر المكارم

وإنّا رؤس الناس من كلّ معشر ... وأنّ ليس في أرض الحجاز كدارم

وإنّ لنا المرباع في كلّ غارة ... تكون بنجد أو بأرض التهائم

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قم يا حسّان فأجبه» . فقام حسّان، فقال:

بني دارم لا تفخروا إنّ فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم

هبلتم علينا تفخرون وأنتم ... لنا خول من بين ظئر وخادم

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد كنت غنيا يا أخا دارم أن يذكر منك ما قد ظننت أنّ الناس قد نسوه» .

قال: فكان قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشدّ عليهم من قول حسّان. ثمّ رجع حسّان إلى شعره.

فقال:

كأفضل ما نلتم من المجد والعلى ... ردافتنا من بعد ذكر الأكارم

فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... وأموالكم أن تقسموا في المقاسم

فلا تجعلوا لله ندّا وأسلموا ... ولا تفخروا عند النبيّ بدارم

وإلّا وربّ البيت مالت أكفّنا ... على هامكم بالمرهفات الصوارم

قال: فقام الأقرع بن حابس، فقال: إنّ محمّدا المولى، إنه والله ما أدري ما هذا الأمر، تكلّم خطيبنا، فكان خطيبهم أحسن قولا، وتكلّم شاعرنا، فكان شاعرهم أشعر، وأحسن قولا.

ثمّ دنا من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسوله.

فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما يضرّك ما كان قبل هذا» . ثمّ أعطاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكساهم، وقد كان يخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم، وكان قيس بن عاصم يبغضه لحداثة سنه، فأعطاه رسول الله مثل ما أعطى القوم، فأزرى به قيس، وقال فيه أبيات شعر وارتفعت الأصوات، وكثر اللغط عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إلى قوله وَأَجْرٌ عَظِيمٌ يعني جزاء وافرا، وهو الجنّة «١» .

[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ٤ الى ١٠]

إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨)

وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)


(١) بطوله في أسباب النزول: ٢٥٩ وتاريخ دمشق: ٩/ ١٨٨- ١٩١ ط. دار الفكر، وزاد المسير لابن الجوزي:
٧/ ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>