للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حروف تحوي معاني كثيرة، وقيل: الله بها خلقه على مراده كلّه من ذلك، وموضعه رفع بالابتداء وكِتابٌ خبره كأنّه قال: (المص) حروف كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وقيل: كِتابٌ خبر ابتدأ في هذا كتاب.

وقيل رفع على التقديم والتأخير، يعني أنزل كتاب إليك وهو القرآن فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ قال أبو العالية: ضيق، وقال مجاهد: تنك، وقال الضحاك: إثم، وقال مقاتل: فلا يكن في قلبك شك في القرآن. إنّه من الله، وقيل: معناه لا أطبق قلبك بإنذار من أرسلتك بإنذاره وإبلاغ من أمرتك بإبلاغه إياه وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي عظة لهم وموعظة، وموضعه رفع مردود على الكتاب.

وقيل: هو نصب على المصدر تقديره ويذكر ذكرى. ويجوز أن يكون في موضع الخفض على معنى لِتُنْذِرَ في موضع خفض، والمعنى الإنذار والذكرى، وأمّا ذِكْرى فمصدر فيه ألف التأنيث [بمنزلة] دعوت دعوى ورجعت رجعي إلّا أنّه اسم في موضع المصدر.

اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ أي قل لهم: اتبعوا ولا تتبعوا من دونه أولياء.

قرأ العامّة بالعين من الاتباع، وروى عاصم الجحدري عن أبي [الشيخ] ومالك بن دينار «ولا تبتغوا» بالغين المعجمة أي لا تطلبوا قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها بالعذاب وموضع (كَمْ) الرفع بالابتداء وخبره في (أَهْلَكْناها) وإن شئت نصبته برجوع الهاء، فَجاءَها بَأْسُنا عذابنا بَياتاً ليلا [كما يأت بالعساكر] أَوْ هُمْ قائِلُونَ يعني نهارا في وقت [القائلة] وقائلون نائمون ظهيرة، ومعنى الآية: (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) يعني: إن من هذه القرى ما أهلكت ليلا ومنها ما أهلكت نهارا وإنّما حذفوها [لاستثقالهم] نسقا على نسق، هذا قول الفراء، وجعل [الزجاج] بمعنى أو [التحيّر] والإباحة تقديره: جاءهم بأسنا مرّة ليلا ومرّة نهارا فَما كانَ دَعْواهُمْ أي قولهم ودعاؤهم مثل قوله تعالى فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ «١» قال الشاعر:

وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي ... بدعواك من مذل بها فتهون «٢»

مذل رجله إذا خدرت إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا عذابنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ مسيئين آثمين ولأمره مخالفين أقرّوا على أنفسهم.

روى ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما هلك قوم حتّى يعذروا من أنفسهم. قال: قلت:

كيف يكون ذلك؟

فقرأ هذه الآية: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا الآية [١٧١] «٣» .


(١) سورة الأنبياء: ١٥
. (٢) لسان العرب: ١١/ ٦٢١
. (٣) مسند أحمد ٤/ ٢٦٠، وليس فيه ذكر الآية
.

<<  <  ج: ص:  >  >>