للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ يعني لأجلسنّ [لبني آدم] على طريقك القويم وهو الإسلام كما قال أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ يعني عن أمر ربّكم.

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يقول: «إن الشيطان قعد لبني آدم بطرق فقعد له بطريق الإسلام فقال له: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك، فعصاه فأسلم ثمّ قعد له بطريق الهجرة فقال:

أتهاجر وتذر أرضك وسماءك فإنّما مثل المهاجر كالفرس في الطول. فعصاه وهاجر ثمّ قعد له بطريق الجهاد وهو جهد النفس والمال فقال: أتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصا له وجاهد» [١٧٣] «١» .

وعن عون بن عبد الله لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ قال: طريق مكّة ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الآية قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) يقول [أشككهم] في آخرتهم وَمِنْ خَلْفِهِمْ [أن يقيم في كتابهم] وَعَنْ أَيْمانِهِمْ اشتبه عليهم أمر دينهم وَعَنْ شَمائِلِهِمْ [أشهّي] لهم المعاصي.

روى عطيّة عن ابن عباس قال: أما بَيْنِ أَيْدِيهِمْ فمن قبل دنياهم وأمّا مِنْ خَلْفِهِمْ [فإنّه] آخرتهم وأمّا عَنْ أَيْمانِهِمْ فمن قبل حسناتهم وأما عَنْ شَمائِلِهِمْ فمن قبل سيئاتهم.

وقال قتادة: أتاهم مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ فأخبرهم أنّه لا يعذّب ولا جنّة ولا نار، وَمِنْ خَلْفِهِمْ من أمر الدنيا فزيّنها لهم ودعاهم إليها، وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل حسناتهم بطأهم عنها، وَعَنْ شَمائِلِهِمْ يزين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها، إياك يا بن آدم من كل وجه غير أنّه لم يأتك من فوقك لم يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة الله.

وقال الحكم والسدّي لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ: يعني الدنيا أدعوهم إليها وأرغبهم فيها وأزينها لهم. وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبل الآخرة أشككهم و [أثبطهم] فيها. وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل الحق أصدهم عنه [أبتلكم] فيه، وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من قبل الباطل أخففه عليهم وأزينه لهم وأرغبهم فيه.

وقال مجاهد: مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وعَنْ أَيْمانِهِمْ من حيث يبصرون ومِنْ خَلْفِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ حيث لا يبصرون، قال ابن جريج: معنى قوله: من حيث يبصرون أي يخطئون حيث يعلمون أنّهم يخطئون وحيث لا يبصرون لا يعلمون أنهم يخطئون.

وقال الكلبي: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من قبل آخرتهم أخبرهم أنّه لا جنّة ولا نار ولا نشور. وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبل دنياهم فأمرهم بجمع الأموال لا يعطون لها حقّا [وأخوفهم الضيعة] على ذرّيتهم.


(١) جامع البيان للطبري: ٨/ ١٧٧
.

<<  <  ج: ص:  >  >>