للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم أبو بكر- رضي الله عنه-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركنا صدقة» فانصرفا «١» [٢٣٤] . «٢» .


(١) مسند أحمد: ١/ ٤، وليس فيه فانصرفا.
(٢) قال ابن طاوس في الطرائف: ومن الطرائف العجيبة ما تجدّدت على فاطمة (عليها السلام) بنت محمّد (صلى الله عليه وآله) نبيّهم من الأذى والظلم وكسر حرمتها وحرمة أبيها والاستخفاف بتعظيمه لها وتزكيتها، كما تقدّمت رواياتهم عنه في حقّها من الشهادة بطهارتها وجلالتها وشرفها على سائر النسوان وأنّها سيّدة نساء أهل الجنّة.
فذكر أصحاب التواريخ في ذلك رسالة طويلة تتضمّن صورة الحال أمر المأمون الخليفة العباسي بإنشائها وقراءتها في موسم الحج. وقد ذكرها صاحب التاريخ المعروف بالعبّاسي وأشار الروحي الفقيه صاحب التاريخ إلى ذلك في حوادث سنة ثماني عشرة ومائتين جملتها:
أن جماعة من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) رفعوا قصة إلى المأمون الخليفة العباسي من بني العبّاس يذكرون أن فدك والعوالي كانت لأمّهم فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله) نبيّهم، وان أبا بكر أخرج يدها عنها بغير حق، وسألوا المأمون انصافهم وكشف ظلامتهم، فأحضر المأمون مائتي رجل من علماء الحجاز والعراق وغيرهم وهو يؤكّد عليهم في أداء الأمانة واتباع الصدق، وعرفهم ما ذكره ورثة فاطمة في قضيتهم وسألهم عمّا عندهم من الحديث الصحيح في ذلك.
فروى غير واحد منهم عن بشير بن الوليد والواقدي وبشر بن عتاب في أحاديث يرفعونها إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) نبيّهم لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود، فنزل عليه جبرائيل (عليه السلام) بهذه الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) (الإسراء: ٢٦.) .
فقال محمّد (صلى الله عليه وآله) : ومن ذو القربى وما حقّه؟
قال: فاطمة (عليها السلام) تدفع إليها فدك، فدفع إليها فدك.
ثم أعطاها العوالي بعد ذلك، فاستغلتها حتى توفي أبوها محمّد (صلى الله عليه وآله) فلمّا بويع أبو بكر منعها أبو بكر منها، فكلّمته فاطمة (عليها السلام) في ردّ فدك والعوالي عليها وقالت له: انها لي وان أبي دفعها إليّ.
فقال أبو بكر: ولا أمنعك ما دفع إليك أبوك.
فأراد أن يكتب لها كتابا فاستوقفه عمر بن الخطاب وقال: إنها امرأة فادعها بالبيّنة على ما ادّعت، فأمر أبو بكر أن تفعل، فجاءت بأمّ أيمن وأسماء بنت عميس مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) فشهدوا لها جميعا بذلك، فكتب لها أبو بكر، فبلغ ذلك عمر فأتاه فأخبره أبو بكر الخبر، فأخذ الصحيفة فمحاها (ذكره في السيرة الحلبية:
٣/ ٣٦٢ ط. بيروت المكتبة الاسلامية ومصر ١٣٢٠ هـ- نعم بلفظ: شق عمر الكتاب) فقال: إن فاطمة امرأة وعلي بن أبي طالب زوجها وهو جار إلى نفسه ولا يكون بشهادة امرأتين دون رجل.
فأرسل أبو بكر إلى فاطمة (عليها السلام) فأعلمها بذلك، فحلفت بالله الذي لا إله إلّا هو أنّهم ما شهدوا إلّا بالحق.
فقال أبو بكر: فلعل أن تكوني صادقة ولكن احضري شاهدا لا يجر إلى نفسه.
فقالت فاطمة: ألم تسمعا من أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول: أسماء بنت عميس وأم أيمن من أهل الجنّة؟ فقالا: بلى.
فقالت: امرأتان من الجنة تشهدان بباطل! فانصرفت صارخة تنادي أباها وتقول: قد أخبرني أبي بأنّي أوّل من يلحق به، فوالله لأشكونهما، فلم تلبث أن مرضت فأوصت عليا أن لا يصلّيا عليها وهجرتهما فلم تكلّمهما حتى ماتت، فدفنها علي (عليه السلام) والعباس ليلا فدفع المأمون الجماعة عن مجلسه ذلك اليوم، ثم أحضر في اليوم الآخر ألف رجل من أهل الفقه والعلم وشرح لهم الحال وأمرهم بتقوى الله ومراقبته، فتناظروا واستظهروا ثم افترقوا فرقتين، فقالت طائفة منهم: الزوج عندنا جار إلى نفسه فلا شهادة له، ولكنّا نرى يمين فاطمة قد أوجبت لها ما ادّعت مع شهادة الامرأتين، وقالت طائفة:
نرى اليمين مع الشهادة لا توجب حكما ولكن شهادة الزوج عندنا جائزة ولا نراه جارا إلى نفسه، فقد وجب بشهادته مع شهادة الامرأتين لفاطمة (عليها السلام) ما ادّعت، فكان اختلاف الطائفتين إجماعا منهما على استحقاق فاطمة (عليها السلام) فدك والعوالي.
فسألهم المأمون بعد ذلك عن فضائل لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فذكروا منها طرفا جليلة قد تضمّنه رسالة المأمون، وسألهم عن فاطمة (عليها السلام) فرووا لها عن أبيها فضائل جميلة، وسألهم عن أمّ أيمن وأسماء بنت عميس فرووا عن نبيّهم محمّد (صلى الله عليه وآله) انّهما من أهل الجنّة، فقال المأمون: أيجوز أن يقال أو يعتقد أن علي بن أبي طالب مع ورعه وزهده يشهد لفاطمة بغير حق؟
وقد شهد الله تعالى ورسوله بهذه الفضائل له، أو يجوز مع علمه وفضله أن يقال إنه يمشي في شهادة وهو يجهل الحكم فيها؟
وهل يجوز أن يقال إن فاطمة مع طهارتها وعصمتها وانها سيّدة نساء العالمين وسيّدة نساء أهل الجنّة كما رويتم تطلب شيئا ليس لها، تظلم فيه جميع المسلمين وتقسم عليه بالله الذي لا إله إلّا هو؟
أو يجوز أن يقال عن أمّ أيمن وأسماء بنت عميس انّهما شهدتا بالزور وهما من أهل الجنّة؟ إن الطعن على فاطمة وشهودها طعن على كتاب الله وإلحاد في دين الله، حاشا الله أن يكون ذلك كذلك.
ثم عارضهم المأمون بحديث رووه أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أقام مناديا بعد وفاة محمّد (صلى الله عليه وآله) نبيّهم ينادي: من كان له على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دين أو عدّة فليحضر، فحضر جماعة فأعطاهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما ذكروه بغير بيّنة، وان أبا بكر أمر مناديا ينادي بمثل ذلك فحضر جرير بن عبد الله وادّعى على نبيّهم عدّة فأعطاها أبو بكر بغير بيّنة، وحضر جابر بن عبد الله وذكر أن نبيّهم وعده أن يحثو له ثلاث حثوات من مال البحرين، فلما قدم مال البحرين بعد وفاة نبيّهم أعطاه أبو بكر الثلاث الحثوات بدعواه بغير بيّنة.
(قال عبد المحمود) : وقد ذكر الحميدي هذا الحديث في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع من أفراد مسلم من مسند جابر وان جابرا قال: فعددتها فإذا هي خمسمائة فقال أبو بكر خذ مثليها (راجع صحيح مسلم: ٤ ١٨٠٧ كتاب الفضائل ح ٤٢٧٨، وفتح الباري بشرح البخاري: ٤/ ٥٩٨ ح ٢٢٩٦ كتاب الكفالة باب من تكفل عن يتيم) .
قال رواة رسالة المأمون: فتعجّب المأمون من ذلك وقال: أما كانت فاطمة وشهودها يجرون مجرى جرير بن عبد الله وجابر بن عبد الله، ثم تقدّم بسطر الرسالة المشار طليها وأمر أن تقرأ بالموسم على رؤوس الاشهاد، وجعل فدك والعوالي في يد محمد بن يحيى بن الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعمرها ويستغلها ويقسم دخلها بين ورثة فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله) نبيّهم. انتهى. (ذكر بعض هذه الأمور المسعودي في مروج الذهب: ٢/ ٤٠٢ ط. مصر و ٤/ ٥١ ط. بيروت، والسقيفة وفدك: ١٠٣. ١٤٦، وشرح النهج لابن أبي الحديد: ١/ ٥٦ شرح الخطبة ٢٦ و ١٦/ ٢١٠ إلى ٢٨٦، وسيرة ابن هشام: ٣/ ٣٠١، وبلاغات النساء: ٢٦. ٢٨. ٣٠: وتاريخ الذهبي: ٣/ ٢١، وكنز العمال: ٥/ ٥٨٥ و ٦٣٦ ح ١٤٠٤٠ و ١٤١٠١ و ١٤٠٤٥ و ١٤١٢٠ و ١٤٠٩٧)
.

<<  <  ج: ص:  >  >>