للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ،

وقال مقاتل: نزلت في ثلاثة أحياء من العرب: خزاعة وبني مذحج وبني خزيمة كان النبي صلى الله عليه وسلّم عاهدهم بالحديبية سنتين فجعل الله عز وجل أجلهم أربعة أشهر، ولم يعاهد النبي صلى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية أحدا من الناس.

وقال الحسن: بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلّم وأمره أن يدعو إلى التوحيد والطاعة، وفرض عليه الشرائع، وأمره بقتال من قاتله من المشركين، فقال: قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وكان لا يقاتل إلّا من قاتله، وكان كافّا عن أهل العهد الذين كانوا يعاهدونه الثلاثة والأربعة الأشهر حتى ينظروا في أمرهم، فإما أن يسلموا وإما أن يؤذنوا بالحرب، ثم أمره بقتال المشركين والبراءة منهم وأجلهم أربعة أشهر على أن يسلموا أو يؤذنوا بالحرب، ولم يكن لأحد منهم أجل أكثر من أربعة أشهر، لا من كان له عهد قبل البراءة، ولا من لم يكن له عهد، وكان الأجل لجميعهم أربعة أشهر، وأحلّ دماء المشركين كلهم من أهل العهد وغيرهم بعد انقضاء الأجل.

قال عبد الرحمن بن زيد: نقض كل عهد كان أكثر من أربعة أشهر فردّه إلى الأربعة،

وقال محمد بن إسحاق ومجاهد وغيرهما: نزلت في أهل مكة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم عاهد قريشا عام الحديبية على أن يضعوا الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكفّ بعضهم عن بعض، فدخلت خزاعة في عهد محمد صلى الله عليه وسلّم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وكان مع ذا عهود من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن قبائل من العرب خصائص، فعدت بنو بكر على خزاعة [فقتلوا رجلا] منها ورفدتهم قريش بالسلاح فلما تظاهر بنو بكر وقريش على خزاعة ونقضوا عهودهم خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال:

يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه إلا تلدا

كنت لنا أبا وكنا ولدا ... ثمّت أسلمنا ولم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصرا [عتدا] ... وادع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجرّدا ... أبيض مثل الشمس ينمو صعدا

إن سيم خسفا وجهه تربدا ... في فيلق في البحر تجري مزبدا

إن قريشا لموافوك «١» الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وزعموا أن لست تدعوا أحدا ... وهم أذلّ وأقلّ عددا

هم [وجدونا] بالحطيم هجّدا ... وقتلونا ركّعا وسجّدا «٢»

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنصرف إن لم أنصركم» [١] فخرج وتجهز إلى مكة، وفتح الله مكة


(١) في تفسير القرطبي: أخلفوك، وهو الصواب بحسب ما يظهر من السياق.
(٢) انظر تفسير القرطبي: ٨/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>