للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنكم تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا، قال له علي: ألكم محاسن؟ قال: نعم، إنا لنعمر المسجد ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك: العاني، فأنزل الله تعالى رادّا على العباس ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ «١» يقول: ما ينبغي للمشركين أَنْ يَعْمُرُوا، قرأت العامة بفتح الياء وضم الميم من عمر يعمر، وقرأ ابن السميقع يُعْمِرُوا بضم الياء وكسر الميم أي يعينوا على العمارة، أو يجعلوه عامرا، ويريد: إن المساجد إنما تعمر بعبادة الله وحده، فمن كان بالله كافرا فليس من شأنه أن يعمرها، وقال الحسن: ما كان للمشركين أن يتركوا فيكونوا أهل المسجد الحرام.

واختلف القراء في قوله: (مَساجِدَ اللَّهِ) قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وابن أبي رباح وحميد بن كثير وأبو عمرو: مسجد الله بغير ألف أرادوا المسجد الحرام، واختاره أبو حاتم لقوله تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ، وقرأ الباقون (مَساجِدَ) بالألف على الجمع، واختاره أبو عبيد لأنّه أعم القراءتين.

قال الحسن: فإنّما قال (مَساجِدَ اللَّهِ) لأنّه قبلة المساجد كلها وأمامها، وقال أبو حاتم أنّ عمران بن جدير قال لعكرمة: إنما يقرأ: مَساجِدَ اللَّهِ وإنّما هو مسجد واحد؟ فقال عكرمة: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، وقال الضحاك ومجاهد: حدّث العرب بالواحد إلى الجمع والجمع إلى الواحد، ألا ترى الرجل على البرذون يقول ركبت البراذين؟ ويقال للرجل: إنّه لكثير الدر والذمار، وتقول العرب: عليه أخلاق نعل واسمال ثوب. وأنشدني أبو الجراح العقيلي:

جاء الشتاء وقميصي أخلاق ... وشرذم يضحك مني التواق «٢»

يعني: خلق.

وقوله: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أراد وهم شاهدون، فلمّا طرحت (وهم) نصبت، وقال الحسن: يقولون: نحن كفار [نشهد] عليهم بكفرهم، وقال السدّي: شهادتهم على أنفسهم بالكفر هي أن النصراني يسأل: ما أنت فيقول: نصراني، واليهودي فيقول: يهودي والصابئي، فيقول: صابئي ويقال للمشرك: ما دينك؟ فيقول: مشرك.

وقال حمزة عن الضحاك عن ابن عباس: شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم لأصنامهم وإقرارهم بأنّها مخلوقة، وذلك أنّ كبار قريش نصبوا أصنامهم خارجا من بيت الله الحرام عند القواعد، وكانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون: لا نطوف وعلينا ثياب قد عملنا فيها بالمعاصي، وكانوا يصفقون ويصفرون ويقولون:

إن تغفر اللهم تغفره جمّا، ... وأي عبد لك لا ألمّا [ ... ]

«٣»


(١) أسباب النزول للواحدي: ١٦٣.
(٢) الصحاح: ٤/ ١٤٥٣ ويروى: النواق.
(٣) كلمة غير مقروءة في المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>