للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجدوا في كتاب الله عز وجل ما أمروا به ونهوا عنه، فقالوا: لن نسبق أحبارنا بشيء فما أمرونا بشيء ائتمرنا وما نهينا عنه فانتهينا، الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم.

وقال أهل المعاني: معناه اتخذوا أحبارهم ورهبانهم كالأذناب حيث أطاعوهم في كل شيء، كقوله: قال انفخوا حتى إذا جعله نارا أي كالنار، وقال عبد الله المبارك:

وهل بدّل الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها «١» .

وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ نزّه نفسه عَمَّا يُشْرِكُونَ القراءة بالياء وقرأ ابن أبي إسحاق بالتاء يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ أي يبطلوا دين الله بألسنتهم، بتكذيبهم إياه وإعراضهم عنه.

وقال الكلبي: يعني يردون القرآن بألسنتهم تكذيبا له، وقال ابن عباس: يريد اليهود والنصارى أن يلزموا توحيد الرحمن بالمخلوقين الذين لا تليق بهم الربوبية، وقال الضحاك:

يريدون أن يهلك محمد وأصحابه ولا يعبد الله بالإسلام.

وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ أي يعلي دينه ويظهر كلمته ويتم الحق الذي بعث به رسوله وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ وإنما أدخلت إلا لأن في أبت طرفا من الجحد، ألا ترى أنّ قولك يثبت أن أفعل ولما فيه من الحذف تقديره: وَيَأْبَى اللَّهُ كل شيء إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ، كما قال:

وهل لي أمّ غيرها أن تركتها ... أبى الله إلّا أن أكون لها ابنا

هو الذي يعني يأبى إلّا إتمام دينه هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ يعني محمدا صلى الله عليه وسلّم بِالْهُدى قال ابن عباس: بالقرآن، وقيل: تبيان فرائضه على خلقه، وَدِينِ الْحَقِّ وهو الإسلام.

وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ أي يعلي دينه ويظهر كلمته ويتم الحق الذي بعث به رسوله وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ... لِيُظْهِرَهُ ليعليه وينصره ويظفره عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ على سائر الملل كلها وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.

واختلف العلماء بمعنى هذه الآية، فقال ابن عباس: الهاء عائدة على الرسول صلى الله عليه وسلّم يعني ليعلمه شرائع الدين كلها فيظهره عليها حتى لا يخفى عليه منها شيء، وقال الآخرون: الهاء راجعة إلى دين الحق.

قال أبو هريرة والضحاك: ذلك عند خروج عيسى عليه السّلام إذا خرج اتبعه كل دين وتصير الملل كلها واحدة، فلا يبقى أهل دين إلا دخل في الإسلام أو أدى الجزية إلى المسلمين.


(١) الجهاد لابن المبارك: ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>