للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالوا: لئن كان ما يقول محمد حق لنحن شر من الحمير، وكان سمعهم غلام من الأنصار يقال له عامر بن قيس، فحقروه وقالوا هذه المقالة، فغضب الغلام وقال: والله إنّ ما يقوله محمد حق وأنتم شر من الحمير، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره فدعاهم فسألهم فحلفوا إن عامرا كذّاب، وحلف عامر أنهم كذبة، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلّم فجعل عامر يقول: اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب، وقد كان قال بعضهم في ذلك: يا معشر المنافقين والله إني شر خلق الله، لوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية «١» .

وقال مقاتل والكلبي: نزلت هذه الآية في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك، فلمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلّم من تبوك أتوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلّفهم، ويطلبون ويحلفون، فأنزل الله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وقد كان حقه يرضوهما

وقد مضت هذه المسألة، قال الشاعر:

ما كان حبك والشقاء لتنتهي ... حتى يجازونك في مغار محصد

أي الحبل.

أَلَمْ يَعْلَمُوا وقراءة العامة بالياء على الخبر، وقرأ السلمي بالتاء على الخطاب أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إلى قوله يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ، قال مجاهد: كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون: عسى الله أن لا يفشي سرّنا فقال الله لنبيّه متهددا قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ قال قتادة: كانت تسمى هذه السورة الفاضحة والمثيرة والمبعثرة، أثارت مخازيهم ومثالبهم. قال الحسن: كان المسلمون يسمّون هذه السورة الحفّارة، حفرت ما في قلوب المنافقين فأظهرته.

قال ابن كيسان نزلت هذه الآية في اثني عشر رجلا من المنافقين وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم على العقبة لما رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا حلأها، ومعهم رجل مسلم يخفيهم شأنه وتنكروا له في ليلة مظلمة فأخبر جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما قدموا له، وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم، وعمار بن ياسر يقود برسول الله صلى الله عليه وسلّم وحذيفة يسوق به.

فقال لحذيفة: اضرب بها وجوه رواحلهم، فضربها حتى نحاهم، فلمّا نزل قال لحذيفة:

هل عرفت من القوم؟ قال: لم أعرف منهم أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنّهم فلان وفلان حتى عدهم كلّهم، فقال حذيفة ألا تبعث إليهم فتقتلهم، قال: «أكره أن يقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم، بل يكفيكم الله الدبيلة» قيل: يا رسول الله وما الدبيلة؟ قال: «شهاب من جهنم يوضع على نياط فؤاد أحدهم حتى تزهق نفسه فكان كذلك» [٢٥] «٢» .


(١) أسباب النزول للواحدي: ١٦٨.
(٢) انظر القصّة في: تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٨٧، بتفاوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>