للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا الأرض حتى ما هي الأرض التي نعرف، [وكنت أقوى أصحابي وكنت أخرج فأطوف بالأسواق وآتي المسجد فأدخل فآتي النبي صلى الله عليه وسلّم فأسلّم عليه فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بالسلام، فإذا قمت فأقبلت فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ بمؤخر عينيه وإذا نظرت إليه، واستكان أعرض عني فاستكانا صاحباي فجعلا يبكيان الليل لا يطلعان نفسيهما فلما طال علي ذلك المسلمين من جفوة حتى تسمّرت بظلّة حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إليّ فسلمت عليه فو الله ما ردّ عليّ السلام فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلمنّ أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدران فبينا أطوف في السوق إذا برجل نصراني نبطي من نبط أهل الشام جاء بطعام له يبيعه ويقول: من سيدلّ على كعب بن مالك. فطفق الناس يشيرون له إليّ فأتاني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان فإذا فيه: أمّا بعد فإنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك [ولست بدار مضيعة ولا هوان] فالحق بنا نواسيك، فقلت: هذا من البلاء والشرف فسجّرت التنور فأحرقته فلما مضيت له بغضون ليلة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أتاني فقال: «اعتزل امرأتك» فقلت: أطلقها. قال:

«لا ولكن لا تقربها» وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك وكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال: فجاءت امرأة هلال فقالت: يا نبي الله إنّ هلال بن أمية شيخ ضعيف فهل تأذن لي أن أخدمه قال: «نعم ولكن لا يقربك» .

قالت: يا نبي الله والله ما به حركة لشيء ما زال مكبّا يبكي الليل والنهار. قد كان من أمره ما كان. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال أن تخدمه فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله وما يدريني ماذا يقول إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب. فلما مضت خمسون ليلة من حين نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن كلامنا فصلّيت على ظهر بيت لمّا صلّى الفجر وجلست وأنا في المنزلة التي قال الله عزّ وجلّ: ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وضاقت علينا أنفسنا إذ سمعت نداء من جبل سلع أن أبشر يا كعب بن مالك، فخررت ساجدا وعلمت أن الله قد جاء بالفرج ثم جاء رجل يركض على فرس وكان الصوت أسرع من فرسه [فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوتها إياه ببشارته واستعرت ثوبين فلبستهما] «١» قال: وكانت توبتنا نزلت على النبي صلى الله عليه وسلّم ثلثي الليل فقالت أم سلمة عشيّتئذ: يا نبي الله ألا تبشر كعب بن مالك. قال: إذا يحطمك الناس ويمنعونكم النوم بسائر الليل وكانت أم سلمة محسنة في شأني حزنى بأمري فاستطلت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون فقام إلي طلحة ابن عبيد الله يهرول حتى صافحني وقال: «ليهنك توبة الله عليك» ، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره وكان كعب لا ينساها لطلحة.


(١) عن تفسير الطبري، وفي مسند أحمد: فأعطيته ثوبي بشارة ولبست ثوبين آخرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>