للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الضحاك: يعني انهضوا إليّ، وحكى الفراء عن بعض القرّاء: افضوا إليّ بالفاء، أي توجهوا حتى تصلوا إليّ، كما يقال أنصت [الخلائق] إلى فلان وأفضى إلى الوجه وَلا تُنْظِرُونِ ولا تؤمرون، وهذا إخبار من الله تعالى عن نبيه نوح (عليه السلام) أنه كان من نصر الله واثقا ومن كيد قومه وبوائقهم غير خائف علما منه بأنهم وآلهتهم لا تنفع ولا تضر شيئا إلّا أن يشاء الله، وتعزية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم وتقوية لقلبه فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أعرضتم عن قولي وأبيتم أن تقبلوا نصحي فَما سَأَلْتُكُمْ على الدعوة وتبليغ الرسالة مِنْ أَجْرٍ جعل وعوض إِنْ أَجْرِيَ ما جزائي وثوابي إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. فَكَذَّبُوهُ يعني نوحا فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ سكان الأرض خلفا عن الهالكين وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ يعني [أخزى] من الذين أنذرتهم الرسل ولم يؤمنوا ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد نوح رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالآيات والأمر والنهي فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا ليصدقوا بِما كَذَّبُوا بما كذبت بِهِ وأنّهم مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ نختم عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ المجاوزين الحلال إلى الحرام ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد نوح (مُوسى) وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ يعني أفراد قومه بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ. فَلَمَّا جاءَهُمُ يعني فرعون وقومه الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ. قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا تقدير الكلام: أتقولون للحق لما جاءكم سحرا سحر هذا الحذف السحر الأول، فدلالة الكلام عليه كقوله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ «١» المعنى: يغشاكم ليسوؤا وجوهكم.

وقال ذو الرمّة:

فلما لبسن الليل أو حين نصبت ... له من خذا آذانها وهو جانح «٢»

أي: أو حين أقبل وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ. قالُوا يعني فرعون وقومه أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا لتلوينا وتصرفنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من الدين وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ الملك والسلطان فِي الْأَرْضِ أرض [مصر] وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ. وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ. فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ. فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ أي الذي جئتم به السحر.

وقراءة مجاهد وأبو عمر وأبو جعفر: آلسحر بالمد على الاستفهام، ودليل قراءة العامة قراءة ابن مسعود: ما جئتم به سحر وقراءة أبيّ: ما أتيتم به سحر إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ. فَما آمَنَ لِمُوسى لم


(١) سورة الإسراء: ٧.
(٢) جامع البيان للطبري: ١١/ ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>