للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد إلى القادم، فحذف اللام عند اللام وتكون (ما) بمعنى من تقديره لممّن يوفينّهم، كقول الشاعر:

وأنّي لمّا أصدر الأمر وجهه ... إذا هو أعيا بالسبيل مصادره «١»

وقيل: أراد وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا بالتنوين والتشديد، قرأها الزهري بالتنوين أي وَإِنَّ كُلًّا شديدا وحقا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ من قوله تعالى: كُلًّا لَمَّا، أي شديدا فحذفوا التنوين وأخرجوه على هذا فعلى، كما فعلوا في قوله: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا، وقرأ نافع وابن كثير بتخفيف النون والميم على معنى إن الثقيلة مخفّف، وأنشد أبو زيد:

ووجه مشرق النحر كأن ثدييه حقّان «٢»

أراد كان فخفّف ونصب به، و (ما) صلة تقديره وإن كلا ليوفينّهم. وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب وحفص وأيوب وخلف بتشديد النون وتخفيف الميم على معنى وأن كلا ليوفينّهم، جعلوا (ما) صلة. وقيل: أرادوا وأن كلا لممّن كقوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ أي من. وقرأ أبو بكر بن عياش بتخفيف النون وتشديد الميم أراد أن الثقيلة فخفّفها.

وقيل: (أن) بمعنى (ما) الجحد و (لما) بمعنى (إلا) تقديره وما كلا إلّا ليوفينّهم، ولكنه نصب كلّا بإيقاع التوفية عليه أي ليوفينّ كلا وهو أبعد القراءات فيها من الصواب، إنه بما تعملون خبير.

فَاسْتَقِمْ يا محمد على أمر ربك والعمل به والدعاء إليه كَما أُمِرْتَ أن لا تشرك بي شيئا وتوكّل عليّ مما ينوبك، قال السدّي: الخطاب له صلّى الله عليه وسلّم والمراد أمته.

وَمَنْ تابَ مَعَكَ فليستقيموا، يعني المؤمنين وَلا تَطْغَوْا ولا تجاوزوا أمري، وقال ابن زيد: ولا تعصوا الله ولا تخالفوه، وقيل: ولا تتخيّروا «٣» .

إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لا يخفى عليه من أعمالكم شيء، قال ابن عباس: ما نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشقّ عليه من هذه الآية، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: لقد أسرع إليك الشيب، فقال: «شيبتني سورة هود وأخواتها» [١٠٤] «٤» .

وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا قال ابن عباس: ولا تميلوا على غيّهم ولا تدهنوا لهم


(١) تفسير القرطبي: ٩/ ١٠٥.
(٢) تفسير الطبري: ١٢/ ١٦٢.
(٣) تفسير القرطبي: ٩/ ١٠٧.
(٤) الجامع الصغير: ٢/ ٨٢ ح/ ٤٩١٦، وكنز العمّال: ١/ ٥٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>