كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ يعني كما فعلوا في الابتداء بيوسف فعلنا بهم لأنّ الله تعالى حكى عن يعقوب أنّه قال ليوسف فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً فالكيد جزاء الكيد، قال ابن عباس: كَذلِكَ كِدْنا أي صنعنا، ربيع: ألهمنا، ابن الأنباري: أردنا.
ومعنى الآية: كذلك صنعنا ليوسف حتى ضمّ أخاه إلى نفسه وفصل بينه وبين إخوته بعلّة كادها الله له فاعتلّ بها يوسف، ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ إليه ويضمّه إلى نفسه فِي دِينِ الْمَلِكِ في حكمه وقضائه، قاله قتادة.
وقال ابن عباس: في سلطان الملك، وأصل الدين: الطاعة، وكان حكم الملك في السارق أن يسترقّ ويغرّم ضعف ما سرق للمسروق منه، وقال الضحّاك: كان الملك إذا أتي بسارق كشف عن فرجتيه وسمل عينيه، إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، يعني أنّ يوسف لم يكن ليتمكّن من أخذ أخيه بنيامين من أخوته وحبسه عنده في حكم الملك لولا ما كدنا له بلطفنا حتى وجد السبيل إلى ذلك وهو ما أجراه على ألسنة إخوته أنّ جزاء السارق الاسترقاق فأقرّوا به وأبدوا من تسليم الأخ إليه، وكان ذلك مراد يوسف (عليه السلام)«١» .
نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بالحكم كما رفعنا يوسف على إخوته.
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ قال ابن عباس: يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا، والله فوق كلّ عالم، قال قتادة والحسن: والله ما من عالم على ظهر الأرض إلّا فوقه من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى الله الذي علّمه ومنه بدأ وإليه يعود، وفي قراءة عبد الله: وفوق كلّ عالم عليم.
وعن محمّد بن كعب القرضي أنّ علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه قضى بقضية فقال رجل من ناحية المسجد: يا أمير المؤمنين ليس القضاء كما قضيت، قال فكيف هو؟ قال: كذا وكذا قال: صدقت وأخطأت!!، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
قالوا: فلمّا أخرج الصواع من رحل بنيامين نكّس إخوته رؤوسهم من الحياء وأقبلوا على بنيامين وقالوا: يا بنيامين أي شيء الذي صنعت، فضحتنا وسوّدت وجوهنا، يا بني راحيل ما يزال لنا منكم بلاء، متى أخذت الصواع؟.
فقال بنيامين: بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه بالبرّيّة، وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم.
ثمّ قالوا ليوسف: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ: من أبيه وأمّه، من قبل، واختلف العلماء في السرقة التي وصفوا بها يوسف، فقال سعيد بن جبير وقتادة: سرق يوسف صنما لجدّه أبي أمّه