للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يوم القيامة عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ في الدنيا.

وروى أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآية قال: «عن لا إله إلّا الله» «١» .

قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلّا سيخلو الله تعالى به يوم القيامة، [كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر] فيقول: يا ابن آدم ماذا غرك مني، يا ابن آدم ما عملت فيما علمت، يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين «٢» .

واعترضت الملحدة بأبصار كليلة وأفهام عليلة على هذه الآية على قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ «٣» وحكموا عليهما بالتناقض.

والجواب عنه: ما روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله: لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ وقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ «٤» . قال:

لا نسألهم هل عملتم كذا وكذا، لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لم عملتم كذا وكذا؟

واعتمد قطرب هذا القول، وقال: السؤال على ضربين: سؤال استعلام واستخبار، وسؤال توبيخ وتقرير. فقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ يعني استعلاما واستخبارا، لأنه كان عالما بهم قبل أن يخلقهم. وقوله: لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يعني تقريعا وتقريرا ليريهم القدرة في تعذيبنا إياهم.

وقال عكرمة: سألت مولاي عبد الله بن عبّاس عن الآيتين، فقال: إن يوم القيامة يوم طويل وفيه مواقف، يسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها. ونظيره قوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ «٥» وقال في آية أخرى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ «٦» .

وقال بعضهم: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ إذا كان المذنب مكرها مضطرا، ولَنَسْئَلَنَّهُمْ إذا كانوا مختارين، وقيل: لا يسأل إذا كان الذنب في حال الصبى أو الجنون أو النوم، بيانه

قوله صلّى الله عليه وسلّم:

«رفع القلم عن ثلاث»

«٧» [١٩٠] وقولهم: لَنَسْئَلَنَّهُمْ، إذا كان عملهم خارجا من هذه الأحوال، وقيل: لا يسأل إذا كان الذنب في حال الكفر.


(١) مسند أبي يعلي: ٧/ ١١٢.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ١٤/ ٩٠، وتفسير القرطبي: ٢/ ٥٧٩.
(٣) سورة الرحمن: ٣٩.
(٤) سورة الرحمن: ٣٩.
(٥) سورة الأنفال: ٤٨.
(٦) سورة الزمر: ٣١.
(٧) مسند أحمد: ١/ ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>