للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ له نفعا ولا فيه ضرا ولا نفعا نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الأموال وهو ما حملوا لأوثانهم من هديهم وأنعامهم نظيره قوله هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا «١» .

ثمّ رجع من الخبر إلى الخطاب فقال: تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ يوم القيامة عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ في الدنيا وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وهم خزاعة وكنانة قالوا: الملائكة بنات الله سبحانه.

وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ يعني البنين، وفي قوله: ما وجهان من الأعراب: أحدهما الرفع على الابتداء، ومعنى الكلام: يجعلون لله البنات ولهم البنين، والثاني: النصب عطفا على البنات تقديره: ويجعلون لله البنات ويجعلون لهم البنين الذي يشتهون.

وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا من الكراهة وَهُوَ كَظِيمٌ ممتلئ غما وغيظا يَتَوارى يخفى ويغيب مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ من الخزي والعار والحياء ثمّ يتفكر أَيُمْسِكُهُ ذكر الكناية لأنه مردود إلى (ما) عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ يخفيه فِي التُّرابِ فيئده.

وذلك أن مضر وخزاعة وتميما كانوا يدفنون الإناث أحياء- زعموا- خوف الفقر عليهن وطمع غير الأكفاء فيهن، وكان صعصعة عم الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه إلى والد البنت يستحييها بذلك، ولذلك قال الفرزدق:

ومنا الذي منع الوائدات ... فأحيا الوئيد فلم يوأد «٢»

أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ بئس ما [يجعلون لله الإناث] ولأنفسهم البنين، نظيره قوله تعالى:

أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى «٣» .

لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يعني لهؤلاء الواضعين لله سبحانه البنات مَثَلُ السَّوْءِ احتياجهم إلى الأولاد وكراهيتهم الإناث منهم أو قتلهم إياها خوف الفقر وإقرارا على أنفسهم بالهتك

لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكبر الكبائر أن تدعو لله ندّا وهو خلقك، وأن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك وأن تزني بحليلة جارك» [٥] «٤» .

وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى الصفة العليا وهي التوحيد والإخلاص.

وقال ابن عبّاس: مَثَلُ السَّوْءِ: النار، والْمَثَلُ الْأَعْلى: شهادة أن لا إله إلّا الله «٥» .


(١) سورة الأنعام: ١٣٦.
(٢) تفسير القرطبي: ١٠/ ١١٧.
(٣) سورة النجم: ٢١.
(٤) تفسير الطبري: ٥/ ٦٢، تفسير القرطبي: ١٣/ ٧٥.
(٥) تفسير القرطبي: ١٠/ ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>