ثمّ دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم وصارت مثل ألوان أصحابهم فجاءوا فجلسوا إلى جنب أصحابهم فقلت: يا جبرئيل من هذا الأشمط ومن هؤلاء وما هذه الأنهار؟ قال: هذا أبوك إبراهيم (عليه السلام) أوّل من شمط على الأرض، وأما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ، فأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً فتابوا فتاب الله عليهم، وأما الأنهار الثلاثة فأولها رحمة الله والثاني نعمة الله والثالث سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً قال: فإذا إبراهيم مستند إلى بيت فسالت جبرئيل، فقال: هذا البيت المعمور يدخل فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم.
قال: فاتي بي جبرئيل حتّى انتهينا إلى سدرة المنتهى فإذا أنا بشجرة لها أوراق الواحدة منها مغطية الدنيا بما فيها وإذا شقها مثل هلال هجر تخرج من أصلها أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فسألت عنها جبرئيل فقال: أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهرين فالنيل والفرات ويخرج أيضا من أصلها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وهي على حد السماء السابعة مما الجنة وعروقها وأغصانها تحت الكرسي.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«انتهيت إلى سدرة المنتهى وأنا أعرف أنها سدرة المنتهى وأعرف ورقها وثمرها فغشيها من نور الله ما غشيها وغشيتها الملائكة كأنهم جراد من ذهب من خشية الله تعالى فلما غشيها ما غشيها تحولت حتّى ما يستطيع أحد منعها، قال: وفيها ملائكة لا يعلم عدّتهم إلّا الله عزّ وجلّ، ومقام جبرئيل في وسطها فلما انتهيت إليها قال لي جبرئيل: تقدم.
فقلت: أقدم من؟ تقدم أنت يا محمّد فإنك أكرم على الله مني، فتقدمت وجبرئيل على أثري حتّى انتهى بي إلى حجاب فراس الذهب فحرك الحجاب. فقال: من ذا؟ قال: أنا جبرئيل ومعي محمّد. قال الملك: الله أكبر فأخرج يده من تحت الحجاب فاحتملني وخلف جبرئيل فقلت له:
إلى أين؟ قال: يا محمّد وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ إن هذا منتهى الخلائق، وإنما أذن لي في الدنو إلى الحجاب لاحترامك ولجلالك» .
قال: «فانطلق بي الملك أسرع من طرفة عين إلى حجاب اللؤلؤ فحرك الحجاب. قال الملك: من وراء الحجاب: من هذا؟ قال: أنا صاحب فراس الذهب وهذا محمّد رسول العرب معي.
فقال الملك: الله اكبر وأخرج يده من تحت الحجاب فاحتملني حتّى وضعني بين يديه فلم أزل كذلك من حجاب إلى حجاب حتّى جاوزوا بي سبعين حجابا غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام وما بين الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام، ثمّ دلّى لي رفرف أخضر يغلب ضوءه ضوء الشمس فالتمع بصري ووضعت على ذلك الرفرف ثمّ احتملني حتّى وصلني إلى العرش فلما رأيت العرش اتضح كل شيء عند العرش فقربني الله إلى سند العرش وتدلى لي