الحمار ومن بعده راكب البعير، فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زمانا، فلما انقضى ملكه عظمت الأحداث وشعياء معه، بعث الله عليهم سنحاريب ملك بابل مع ستمائة ألف راية، فأقبل سائرا حتّى أقبل حول بيت المقدس والملك مريض في ساقه قرحة فجاء إليه شعياء فقال: يا ملك بني إسرائيل إن سنحاريب ملك بابل قد نزل هو وجنوده بستمائة ألف قد هابهم الناس وفرقوا منهم، فكبر ذلك على الملك. فقال: يا نبي الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسنحاريب وجنوده.
فقال له النبي (عليه السلام) : لم يأت وحي فبيناهم إلى ذلك أوحى الله تعالى إلى شعياء النبي (عليه السلام) أن ائت ملك بني إسرائيل فمره أن يوصي بوصيته ويستخلف على ملكه من شاء من أهل بيته، فأتى شعياء صدّيقة وقال له: إن ربك قد أوحى إليك إن أمرك أن توصي بوصيتك وتستخلف من شئت على ملكك من أهل بيتك فإنك ميت. فلما قال ذلك شعياء لصديقة أقبل على القبلة وصلى ودعا وبكى فقال وهو يصلي ويتضرع إلى الله تعالى بقلب مخلص متوكل رصين وظن صادق: اللهمّ رب الأرباب وإله الآلهة قدوس المتقدس يا رحمن يا رحيم يا رؤوف الذي لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ أكرمتني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني إسرائيل وذلك كله كان منك وأنت أعلم به مني بسري وعلانيتي لك وأن الرحمن استجاب له وكان عبدا صالحا، فأوحى الله إلى شعياء وأمره أن يخبر صديقة الملك أن ربه قد استجاب له وقبل منه ورحمه وقد أخر أجله خمس عشر سنة فأنجاه من عدوه سنحاريب ملك بابل وجنوده فأتاه شعياء النبي (عليه السلام) وأخبره بذلك، فلما قال ذلك ذهب عنه الوجع وانقطع عنه الحزن وخر ساجدا وقال: يا إلهي وإله آبائي لك سجدت وسبّحت وكرمت وعظمت، أنت الذي تعطي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أنت الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين، أنت الذي أجبت دعوتي ورحمت ضري فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعياء أن قل للملك صديقه فيأمر عبدا من عبيده فيأتيه بالتين فيجعله على قرحه فيشفى ويصبح قديرا، ففعل ذلك فشفى، وقال الملك لشعياء: سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا.
فقال الله لشعياء: قل له إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلّا سنحاريب وخمسة نفر من كتّابه.
فلما أصبحوا جاءه صارخ فصرخ على باب المدينة: يا ملك بني إسرائيل إن الله قد كفاك عدوك فأخرج فإن سنحاريب ومن معه هلكوا، فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى فبعث الملك في طلبه فأدركه الطلب في مفازة ومعه خمسة من كتّابه أحدهم بخت نصّر، فجعلوهم في الجوامع ثمّ أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآوهم خرّ ساجدا حين طلعت الشمس إلى العصر، ثمّ قال لسنحاريب: كيف ترى فعل ربنا بكم؟ ألم نقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم