للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هذا الذهب والفضّة حين أزبد وانماع. وقال سعيد بن جبير: المهل الذي قد انتهى حرّه.

وقال أبو عبيدة: سمعت المنتجع بن نبهان وذكر رجلا، فقال: هو أبغض إلىّ من الطليا والمهل، فقلت له: ما المهل؟ قال: الملّة التي تحدّد من جوانب الرغيف من النار، أحمر شديد الحمرة كأنّها الرمانة، وهي جمرة والطليا: الناقة المطليّة بالقطران. يَشْوِي الْوُجُوهَ، قال سعيد بن جبير: إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزّقوم فيأكلون منها فاختلست «١» جلودهم ووجوههم، فلو ان مارّا مرّ يعرفهم لعرف جلود وجوههم فيها، ثمّ يصبّ عليهم العطش فيستغيثون فيغاثون بِماءٍ كَالْمُهْلِ، وهو الذي قد انتهى حرّه، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حرّه لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود. بِئْسَ الشَّرابُ هذا، وَساءَتْ النار مُرْتَفَقاً، قال ابن عباس: منزلا. مجاهد: مجتمعا. عطاء: مقرّا. وقيل: مهادا. وقال القتيبي: مجلسا. وأصل:

المرتفق المتّكأ، يقال منه: ارتفقت، إذا اتّكأت على المرتفق. قال الشاعر:

قالت له وارتفقت ألا فتى ... يسوق بالقوم غزالات الضحى «٢»

ويقال: ارتفق الرجل، إذا بات على مرفقه لا يأتيه نوم. قال أبو ذويب الهذلي:

نام الخلي وبتّ الليل مرتفقا ... كأن عيني فيها الصاب مذبوح «٣»

أي مقطوع من معتضده، والصاب: شجر إذا استؤصل خرج منه كهيئة اللبن، وربما ترتفع منه تربة أي فطرة، فيقع في العين فكأنها شهاب نار، وربما أضعف البصر. ويجوز أن يكون قوله: مُرْتَفَقاً من الرفق والمنفعة.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. ليس قوله: إِنَّا لا نُضِيعُ خبرا لقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بل هو كلام معترض، وخبر (إن) الأولى «٤» قوله:

أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ. ومثله في الكلام كثير، قال الشاعر:

إنّ الخليفة إنّ الله سربله ... سربال ملك به ترجى الخواتيم «٥»

ومنهم من قال: فيه إضمار فإن معناه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنا لا نضيع أجره بل نجازيه.

ثمّ ذكر الجزاء فقال: أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ، ووهي الإقامة


(١) كذا في المخطوط.
(٢) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٣٠٠.
(٣) جامع البيان للطبري: ١٥/ ٣٠١، ولسان العرب: ٤/ ٣٩٧ وفيه: مشتجرا، بدل: مرتفقا.
(٤) أي الواقعة في صدر الآية.
(٥) لسان العرب: ١٢/ ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>