للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ إن صاحبه بنى دارا بألف دينار، فقال هذا: إن فلان بنى دارا بألف دينار، وإني اشتريت منك دارا في الجنة بألف دينار، فتصدّق بألف دينار. ثمّ تزوج بامرأة وأنفق عليها ألف دينار فقال: إنّ فلان تزوّج امرأة بألف دينار، وإني أخطب إليك من نساء الجنة بألف دينار، فتصدّق بألف دينار. ثمّ اشترى خدما ومتاعا بألف دينار، فقال: إن فلان اشترى خدما ومتاعا بألف دينار، وإني اشتري منك خدما ومتاعا في الجنة بألف دينار فتصدّق بألف دينار.

ثمّ أصابته حاجة شديدة فقال: لو أتيت صاحبي هذا لعلّه ينالني منه معروف. فجلس له على طريقه حتى مرّ به في حشمه، فقام إليه، فنظر إليه الآخر فعرفه فقال: فلان؟ قال: نعم. قال ما شأنك؟ قال: أصابتني حاجة بعدك، فأتيتك لتصيبني بخير. فقال: فما فعل مالك فقد اقتسمنا مالا واحدا فأخذت شطره وأنا شطره؟ فقصّ عليه قصته، فقال: وإنك لمن المصدّقين بهذا، أي بأنك تبعث وتجازى؟ اذهب فو الله لا أعطيك شيئا.

فطرده، فقضي لهما أن توفيا، فنزل فيهما: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ إلى قوله: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ «١» ، ونزلت وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ: بستانين مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما: أحطناهما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً، يعني:

جعلنا حول الأعناب النخل ووسط الأعناب الزرع.

كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ: أعطت، يعني: آتت كل واحدة من الجنتين، فلذلك لم يقل: آتتا أُكُلَها: ثمرها تامّا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً، أي لم ينقص، وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً، يعني:

شققنا وأخرجنا وسطهما نهرا.

وَكانَ لَهُ، يعني: لفطروس ثَمَرٌ، يعني: المال الكثير المثمر من كل صنف، جمع ثمار. ومن قرأ: (ثمر) فهو جمع ثمرة. مجاهد: ذهب وفضة. ابن عباس: أنواع المال. قتادة:

من كلّ المال. وقال ابن زيد: الثمر الأصل. فَقالَ لِصاحِبِهِ المؤمن وَهُوَ يُحاوِرُهُ: يجاوبه أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً، يعني عشيرة ورهطا. قال قتادة: خدما وحشما. وقال مقاتل:

ولدا، تصديقه قوله تعالى إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً ...

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ، يعني: فطروس، أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به ويريه إيّاها ويعجبه منها، وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ بكفره، فلمّا رأى ما فيها من الأنهار والأشجار والأزهار والثمار قالَ: ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً. وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ: القيامة قائِمَةً: آتية كائنة. ثمّ تمنّى على الله أمنية أخرى مع شكّه وشركه فقال: وَلَئِنْ رُدِدْتُ: صرفت إِلى رَبِّي، فرجعت إليه في المعاد لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها، أي من الجنة التي دخلها. وقرأ أهل الحجاز والشام (منهما)


(١) سورة الصافات: ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>