للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد إِلَّا وارِدُها يعني النار، واختلف الناس في معنى الورود حسب اختلافهم في الوعيد، فأمّا الوعيد فإنّهم قالوا «١» : إنّ من دخلها لم يخرج منها، وقالت المرجئة: لا يدخلها مؤمن، واتّفقوا على أنّ الورود هو الحضور والمرور، فأمّا أهل السنّة فإنّهم قالوا: يجوز أن يعاقب الله سبحانه العصاة من المؤمنين بالنار ثم يخرجهم منها، وقالوا: معنى الورود الدخول، واحتجّوا، بقول الله سبحانه حكاية «٢» عن فرعون يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ «٣» وقال في الأصنام وعبدتها إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ «٤» لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها «٥» فلو لم يكن الورود في هذه الآيات بمعنى الدخول لوجب أن يدخل الأصنام وعبدتها وفرعون وقومه الجنّة لأن من مرّ على النار فلا بدّ له من الجنّة لأنه ليس بعد الدنيا دار إلّا الجنّة أو النار، والذي يدلّ على أنّ الورود هو الدخول قوله في سياق الآية ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا والنجاة لا تكون إلّا ممّا دخلت فيه وأنت ملقىّ فيه، قال الله سبحانه وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ «٦» واللغة تشهد لهذا، تقول العرب: ورد كتاب فلان، ووردت بلد كذا، لا يريدون جزت عليها وإنّما يريدون دخلتها، ودليلنا أيضا من السنّة.

وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله المزني قال:

حدّثنا محمد بن نصر بن منصور الصائغ الشيخ الصالح قال: حدّثنا سليمان بن حرب قال: حدّثنا أبو صالح غالب بن سليمان عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سميّة قال: اختلفنا في الورود هاهنا بالبصرة فقال قوم: لا يدخلها مؤمن، وقال آخرون: يدخلونها جميعا، فلقيت جابر بن عبد الله فسألته فأهوى بإصبعيه إلى أذنيه وقال: صمّتا إن لم أكن سمعت النبي «٧» صلّى الله عليه وسلّم يقول:

«الورود: الدخول، لا يبقى برّ ولا فاجر إلّا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم، حتى أنّ للنار- أو لجهنم- ضجيجا لمن تردهم ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا» .

وأخبرنا شعيب بن محمد وعبد الله بن حامد قالا: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا أحمد بن الأزهر قال: حدّثنا روح بن عبدان قال: حدّثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار أنّ نافع بن الأزرق ما رأى ابن عباس يقول ابن عباس: الورود الدخول ويقول نافع ليس الورود الدخول فتلا


(١) في نسخة أصفهان: الوعيد به فقالوا.
(٢) في نسخة أصفهان: واحتجوا بقوله تعالى إخبارا عن.
(٣) سورة هود: ٩٨.
(٤) سورة الأنبياء: ٩٨.
(٥) سورة الأنبياء: ٩٩.
(٦) سورة الأنبياء: ٨٨.
(٧) مسند أحمد: ٣/ ٣٢٩. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>