للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي أي سر بهم أول الليل من أرض مصر.

فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً يابسا ليس فيه ماء ولا طين لا تَخافُ دَرَكاً من فرعون خلفك وَلا تَخْشى غرقا من البحر أمامك، وقرأ حمزة: لا تخف بالجزم على النهي، الباقون: بالألف على النفي، واختاره أبو عبيد لقوله: وَلا تَخْشى رفعا ودليل قراءة حمزة قوله:

«يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ» فاستأنف، قال الفرّاء: ولو نوى حمزه بقوله: وَلا تَخْشى الجزم، لكان صوابا. وقال الشاعر:

هجوت زمانا ثم ملت معتذرا ... من سب زمان لم يهجو ولم يذع «١»

وقال آخر:

ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد «٢»

فَأَتْبَعَهُمْ فلحقهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ أصابهم مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى أي وما هداهم إلى مراشدهم، وهذا جواب قول فرعون: ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ، فكذّبه الله تعالى فقال: بل أضلهم وما هداهم.

قال وهب: استعار بنو إسرائيل حليا كثيرا من القبط ثم خرج بهم موسى من أول الليل، وكانوا سبعين ألفا فأخبر فرعون بذلك فركب في ستمائة ألف من القبط يقص أثر موسى «٣» ، فلمّا رأى قوم موسى رهج الخيل قالوا إِنَّا لَمُدْرَكُونَ فقال موسى: كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ فلمّا قربوا قالوا: يا موسى أين نمضي؟ البحر أمامنا وفرعون خلفنا، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق فصار فيه اثنتا عشرة طريقا يابسة، لكل سبط طريق، وصار بين كل طريقين كالطود العظيم من الماء، وكانوا يمرّون فيه وكلّهم بنو أعمام فلا يرى هذا السبط ذاك ولا ذاك هذا، فاستوحشوا وخافوا فأوحى الله سبحانه إلى أطواد الماء أن تشبّكي، فصارت شبكات يرى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض.


(١) تفسير القرطبي: ١١/ ٢٢٨.
(٢) لسان العرب: ١٥/ ٤٩٢.
(٣) في نسخة أصفهان: يقصّ أثرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>