فمات ذلك النبي فجلس ذلك الشاب مكانه يقضي بين الناس فكان لا يغضب، فجاءه الشيطان في صورة إنسان ليغضبه وهو صائم يريد أن يقيل، فضرب الباب ضربا شديدا فقال: من هذا؟ فقال: رجل له حاجة، فأرسل معه رجلا فرجع فقال: لا أرضى بهذا الرجل، فأرسل معه آخر، فقال: لا أرضى بهذا، فخرج إليه فأخذ بيده فانطلق معه حتى إذا كان في السوق خلّاه وذهب، فسمّي ذا الكفل.
وقال مجاهد: لما كبر اليسع (عليه السلام) قال: لو أنّي استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى انظر كيف يعمل، قال: فجمع الناس فقال: من يتقبّل لي بثلاث استخلفه:
يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب، فقام رجل تزدريه العين فقال: أنا فردّه ذلك اليوم. وقال مثلها اليوم الآخر فسكت الناس، وقام ذلك الرجل فقال: أنا فاستخلفه- قال: فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان فأعياهم فقال: دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ فقير حين أخذ مضجعه للقائلة- وكان لا ينام بالليل والنهار إلّا تلك النومة- فدقّ الباب فقال: من هذا؟ قال:
شيخ فقير كبير مظلوم، فقام ففتح الباب فجعل يقصّ عليه فقال: إنّ بيني وبين قومي خصومة وإنّهم ظلموني وفعلوا، وفعلوا فجعل يطوّل عليه حتى حضر الرواح وذهبت القائلة، قال: إذا رحت فإنّني آخذ لك بحقّك، فانطلق وراح، فكان في مجلسه فجعل ينظر هل يرى الشيخ، فلم يره فقام يتبعه، فلمّا كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه، فلمّا رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدقّ الباب فقال: من هذا؟ قال: الشيخ المظلوم، ففتح له فقال: ألم أقل إذا قعدت فأتني قال: إنّهم أخبّ قوم، إذا عرفوا أنك قاعد قالوا: نعطيك حقّك، وإذا قمت جحدوني، قال: فانطلق فإذا رحت فأتني، ففاتته القائلة فراح فجعل ينظر ولا يراه وشقّ عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعنّ أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام فإنّي قد شقّ عليّ النوم.
فلمّا كان تلك الساعة جاء فلم يأذن له الرجل فلمّا أعياه نظر فرأى كوّة في البيت فتسوّر منها فإذا هو في البيت، وإذا هو يدقّ الباب من داخل فاستيقظ الرجل فقال: يا فلان ألم آمرك؟
فقال: أمّا من قبلي فلم تؤت والله، فانظر من أين أتيت؟ فقام إلى الباب فهو مغلق كما أغلقه وإذا الرجل معه في البيت فقال له: أتنام والخصوم ببابك؟ فعرفه فقال: أعدوّ الله؟ قال: نعم أعييتني في كلّ شيء ففعلت ما ترى لأغضبك فعصمك الله منّي، فسمّي ذا الكفل لأنه تكفّل بأمر فوفى به.
وقال أبو موسى الأشعري: إنّ ذا الكفل لم يكن نبيّا ولكن كان عبدا صالحا تكفّل بعمل رجل صالح عند موته وكان يصلّي لله سبحانه وتعالى كل يوم مائة صلاة، فأحسن الله عزّ وجلّ عليه الثناء.
وقيل: كان رجلا تكفّل بشأن رجل وقع في بلاء فأنجاه الله على يديه.