للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعمر أبيها لا تقول ظعينتي ... ألا فرّ عنّي مالك بن أبي كعب «١»

فكنى عن الظعينة في أبيها ثم أظهرها فيكون تأويل الكلام: فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا.

والثاني: أن تكون هي عمادا كقوله «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ» ، وكقول الشاعر:

فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس «٢»

والثالث: أن يكون تمام الكلام عند قوله هِيَ على معنى هي بارزة واقفة يعني: من قربها كأنّها آتية حاضرة، ثم ابتدأ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا على تقديم الخبر على الابتداء مجازها: أبصار الذين كفروا شاخصة من هول قيام الساعة، وهم يقولون يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا أي من هذا اليوم بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ بمعصيتنا ربّنا ووضعنا العبادة في غير موضعها.

إِنَّكُمْ أيها المشركون وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني الأصنام حَصَبُ جَهَنَّمَ قراءة العامة بالصاد أي وقودها عن ابن عباس.

وقال مجاهد وقتادة وعكرمة: حطبها، وذكر أنّ الحصب في لغة أهل اليمن الحطب.

الضحّاك: يعني يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصباء، وأصل الحصب الرمي يقال:

حصبت الرجل إذا رميته، قال الله سبحانه وتعالى إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً «٣» يعني ريحا ترميهم بالحجارة وقرأ ابن عباس: حضب بالضاد، وهو كل ما هيّجت وأوقدت به النار، ومنه قيل لدقاق النار: حضب،

وقرأ علي وعائشة: ولا هو من حميد: حطب بالطاء

نظيرها قوله سبحانه «وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» .

أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ أي فيها داخلون لَوْ كانَ هؤُلاءِ الأصنام آلِهَةً على الحقيقة ما وَرَدُوها يعني ما دخل عابدوها النار، بل منعتها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ يعني العابد والمعبود.

لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ قال ابن مسعود في هذه الآية: إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار، ثم جعل التوابيت في توابيت أخرى، ثم جعلت التوابيت في أخرى فيها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئا ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذّب غيره.

ثم استثنى فقال سبحانه وتعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ قال قوم من العلماء: إنّ ها هنا بمعنى


(١) تفسير القرطبي: ١١/ ٣٤٢.
(٢) جامع البيان للطبري: ١/ ٥٦٥.
(٣) سورة القمر: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>