للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنزل الله سبحانه وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ

أي طرف واحد وجانب في الدين لا يدخل فيها على الثبات والتمكين، والحرف: منتهى الجسم، وقال مجاهد: على شكّ.

وقال بعض أهل المعاني: يريد على ضعف في العبادة كضعف القائم على حرف مضطربا فيه.

وقال بعضهم: أراد على لون واحد في الأحوال كلّها يتّبع مراده، ولو عبدوا الله في الشكر على السرّاء والصبر على الضرّاء لما عبدوا الله على حرف «١» .

وقال الحسن: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه.

فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ صحة في جسمه وسعة في معيشته اطْمَأَنَّ بِهِ أي رضي واطمأن إليه وأقام عليه.

وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ بلاء في جسمه وضيق في معاشه وتعذّر المشتهى من حاله انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ارتدّ فرجع إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ وقرأ حميد الأعرج ويعقوب: خاسر الدنيا بالألف على مثال فاعل، وَالْآخِرَةِ خفضا، على الحال.

ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الضرر الظاهر يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ إن عصاه وَما لا يَنْفَعُهُ إن أطاعه بعد إسلامه راجعا إلى كفره ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ذهب عن الحق ذهابا بعيدا.

يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ اختلف النحاة في وجه هذه اللام فقال بعضهم: هي صلة مجازها: يدعو من ضرّه أقرب من نفعه، وهكذا قرأها ابن مسعود، وزعم الفرّاء والزجّاج أنّ اللام معناها التأخير تقديرها: يدعو والله لمن ضرّه أقرب من نفعه.

وقال بعضهم: هذا على التأكيد معناه: يدعوا لمن ضرّه أقرب من نفعه يدعو ثم حذفت يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى، ولو قلت: تضرب لمن خيره أكثر من شرّه تضرب، ثمّ يحذف الأخير جاز.

وحكي عن العرب سماعا: أعطيتك لما غيره خير منه، وعنده لما غيره خير منه.

وقيل: (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ) من قوله ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، وموضع ذلِكَ نصب ب (يَدْعُوا) كأنّه قال: الذي هو الضلال البعيد يدعو، ثم استأنف فقال: لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، وتكون من في محل الرفع بالابتداء وخبره لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ.

وقيل: يَدْعُوا بمعنى يقول، والخبر محذوف تقديره: لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ إلهه لَبِئْسَ الْمَوْلى الناصر، وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ المعاشر، والصاحب والخليط يعني الوثن.


(١) في النسخة الثانية: على خوفه. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>