كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها ردّوا إليها.
روى الأعمش عن أبي ظبيان قال: ذكر أنّهم يحاولون الخروج من النار حين تجيش جهنم فتلقي من فيها إلى أعلى أبوابها فيريدون الخروج منها فيعذبهم الخزّان فيها ويعيدونهم إليها بالمقامع ويقولون لهم وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ أي المحرق مثل الأليم والوجيع، والذوق:
حاسة يحصل منها إدراك الطعم، وهو ها هنا توسّع، والمراد به إدراكهم الآلام.
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وهي جمع سوار وَلُؤْلُؤاً.
قرأ عاصم وأهل المدينة هاهنا وفي سورة الملائكة: وَلُؤْلُؤاً بالنصب على معنى ويحلّون لؤلؤا، واستدلّوا بأنّها مكتوبة في جميع المصاحف بالألف هاهنا.
وقرأ الباقون بالخفض عطفا على الذهب، ثمّ اختلفوا في وجه إثبات الألف فيه، فقال أبو عمرو: أثبتت الألف فيه كما أثبتت في قالوا وكانوا، وقال الكسائي: أثبتوها فيه للهمزة لأنّ الهمزة حرف من الحروف، وأمّا يعقوب فإنّه قرأها هنا بالنصب وفي سورة فاطر بالخفض رجوعا إلى المصحف لأنّه كتب في جميع المصاحف ها هنا بالألف وهناك بغير ألف.
وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وهو شهادة أن لا إله إلّا الله، وقال ابن زيد: لا إله إلّا الله والله أكبر والحمد لله، نظيرها قوله سبحانه إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ إلى دين الله.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ فعطف بالمستقبل على الماضي لأنّ الصدّ بمعنى دوام الصفة لهم، ومعنى الآية: وهم يصدّون ومن شأنهم الصدّ، نظيرها قوله الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ «١» وقيل: لفظه مستقبل، ومعناه الماضي، أي: وصدّوا عن سبيل الله وَالْمَسْجِدِ يعني عن المسجد الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ خلقناه وبنيناه لِلنَّاسِ كلّهم لم نخصّ منهم بعضا دون بعض سَواءً الْعاكِفُ المقيم فِيهِ وَالْبادِ الطاري المنتاب إليه من غيره.
وقرأ عاصم برواية حفص ويعقوب برواية روح: سَواءً بالنصب بإيقاع الجعل عليه لأنّ الجعل يتعدّى إلى مفعولين.
وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وما بعده خبره. وتمام الكلام عند قوله لِلنَّاسِ.
واختلف العلماء في معنى الآية: فقال قوم: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ في تعظيم حرمته وقضاء النسك به وحقّ الله الواجب عليهما فيه، وإليه ذهب مجاهد.
(١) سورة الرعد: ٢٨.