وقال مقاتل: هو إنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو أنزل الله بأسه باليهود لأمنوا» [١٠٤] «١» . فأنزل الله تعالى: وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ
وفيه قراءتان: بالجزم على النهي وهي قراءة نافع وشيبة والأعرج ويعقوب ووجهها القول الأول في سبب نزول الآية.
وقرأ الباقون: بالرفع على النفي يعني: ولست بمسؤول عنهم دليلها قراءة ابن مسعود: ولن تسأل وقراءة أبي: وما نسألك عن أصحاب الجحيم ولا تؤخذ بذنبهم والجحيم وهو الجحم والجحمة: معظم النّار.
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وذلك إنّهم كانوا يسألون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الهدنة ويطمّعونه ويرون إنّه إن هادنهم اتّبعوه ووافقوه فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال ابن عبّاس:
هذا في القبلة وذلك إنّ يهود أهل المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلّي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى قبلتهم فلمّا صرف الله القبلة إلى الكعبة شقّ ذلك عليهم وأيسوا منه أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ دينهم وقبلتهم، وزعم الزجّاج: إنّ الملّة مأخوذة من التأثير في الشيء كما تؤثر الملّة في الموضع الّذي يختبز فيه.
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ البيان بأنّ دين الله هو الإسلام وقبلة إبراهيم عليه السّلام هي الكعبة.
ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قال ابن عباس: نزلت في أهل السفينة الّذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) وكانوا أربعين رجلا وإثنا وثلاثون من الحبشة وثمانية من رهبان الشّام منهم بحيرا.
وقال الضحّاك: من آمن من اليهود عبد الله بن سلام وأصحابه وسعيّة بن عمرو ويمام بن يهودا وأسيد وأسد ابنا كعب وابن يامين وعبد الله بن صوريا.
قتادة وعكرمة: هم أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وقيل: هم المؤمنون عامّة.
يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ الكلبي: يصفونه في كتبهم حقّ صفته لمن سألهم من النّاس وعلى هذا القول الهاء راجعة إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وقال آخرون: هي عائدة إلى الكتاب ثمّ اختلفوا في معنى قوله يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ سعيد عن قتادة قال: بلغنا عن ابن مسعود في قوله يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ قال: يحلّون حلاله ويحرمون حرامه، ويقرءونه كما أنزل، ولا يحرفونه عن مواضعه، وقال الحسن: يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون علم ما أشكل عليهم منه إلى عالمه.
(١) أسباب النزول للواحدي: ٢٥، وزاد المسير لابن الجوزي: ١/ ١٢١، وراجع تفسير القرطبي: ٢/ ٩٢.