للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدبرون وتستأخرون وترجعون القهقرى، مكذّبين بها كارهين لها مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ أي بالحرم تقولون: لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم، وهو كناية عن غير مذكور سامِراً نصب على الحال يعني أنّهم يسمرون بالليل في مجالسهم حول البيت، ووحّد سامِراً وهو بمعنى السّمار لأنّه وضع موضع الوقت، أراد: تَهْجُرُونَ ليلا، كقول الشاعر:

من دونهم إن جئتهم سمرا ... عزف القيان ومجلس غمر «١»

فقال: سمرا لأن معناه: إن جئتهم ليلا وهم يسمرون، وقيل: واحد ومعناه الجمع كما قال ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا «٢» ونحوه.

تَهْجُرُونَ قرأ نافع بضم التاء وكسر الجيم أي تفحشون وتقولون الخنا، يقال اهجر الرجل في كلامه أي أفحش، وذكر أنّهم كانوا يسبّون رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، وقرأ الآخرون بفتح التاء وضم الجيم ولها وجهان:

أحدهما: تعرضون عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم والقرآن والإيمان وترفضونها.

والآخر: يقولون سوءا وما لا يعلمون، من قولهم: هجر الرجل في منامه إذا هذى.

أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا يتدبّروا الْقَوْلَ القرآن أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ فأنكروه وأعرضوا عنه، ويحتمل أن يكون أم بمعنى بل، يعني: بل جاءهم ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ فكذلك أنكروه ولم يؤمنوا به، وروي هذا القول عن ابن عباس.

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ محمدا وأنّه من أهل الصدق والأمانة. فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ جنون، كذبوا في ذلك فإن المجنون يهذي ويقول ما لا يعقل ولا معنى له، بَلْ محمد جاءَهُمْ بِالْحَقِّ بالقول الذي لا يخفى صحته وحسنه على عاقل وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ يعني الله سبحانه أَهْواءَهُمْ مرادهم فيما يفعل لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ ببيانهم وشرفهم يعني القرآن.

فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ على ما جئتهم به خَرْجاً أجرا وجعلا وأصل الخرج والخراج الغلّة والضريبة والأتاوة كخراج العبد والأرض.

وقال النضر بن شميل: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال:

الخراج ما لزمك ووجب عليك أداؤه، والخرج ما تبرّعت به من غير وجوب.

قال الله سبحانه: فَخَراجُ رَبِّكَ رزقه وثوابه خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو الإسلام.


(١) لسان العرب: ٤/ ٣٧٧.
(٢) سورة غافر: ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>