للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُورَةٌ أَنْزَلْناها قراءة العامة بالرفع: هذه سورة لأنّ العرب لا تبتدئ بالنكرة، هذا قول الخليل، وقال الأخفش: سُورَةٌ ابتداء وخبره في أَنْزَلْناها، وقرأ طلحة بن مصرف «١» : سُورَةً بالنصب على معنى أنزلنا سورة، والكناية صلة زائدة، وقيل: اتّبعوا سورة أنزلناها وَفَرَضْناها أي أوجبنا ما فيها من الأحكام، وقرأ الحسن ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو: وفرّضناها بالتشديد أي فصّلناها وبيّنّاها، وقيل: هو من الفرض والتشديد على التكثير أي جعلناها فرائض مختلفة، وأوجبناها عليكم وعلى من بعدكم إلى قيام الساعة، وتصديق التخفيف قوله سبحانه إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ «٢» .

وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي إذا كانا حرّين بالغين بكرين غير محصنين فَاجْلِدُوا فاضربوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ رحمة ورقّة.

قال الأخفش: رحمة في توجّع وفيها ثلاث لغات: رَأْفَةٌ ساكنة الهمز وقد تخفف الهمزة، وهي قراءة العامة، ورَأَفَةٌ بفتح الهمزة، ورَآفَةٌ مهموزة ممدودة مثل الكتابة، وهما قراءة أهل مكة مثل الشناة والشنآة «٣» ، وقيل: القصر على الاسم والمدّ بمعنى المصدر مثل صؤل صآلة، وقبح قباحة، ولم يختلفوا في سورة الحديد أنها ساكنة لأنّ العرب لا تجمع بين أكثر من ثلاث فتحات.

واختلف العلماء في معنى الآية فقال قوم: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فتعطّلوا الحدود ولا تقيموها.

روى المعمّر عن عمران قال: قلت لأبي مخلد في هذه الآية: والله إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل أو تقطع يده فقال: إنّما ذاك أنّه ليس للسلطان إذا رفعوا إليه أن يدعهم رحمة لهم حتى يقيم عليهم الحدّ، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي وابن زيد وسليمان بن يسار، يدلّ عليه من الآية أنّ الله سبحانه وتعالى أمر بالجلد، وهو ضرب الجلد كالرأس لضرب الرأس فذكر الضرب بلفظ الجلد لئلّا ينكأ «٤» ولا يبرح ولا تبلغ به اللحم.

وروى ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عبد الله أنّ عبد الله بن عمر جلد جارية له فقال للجالد: اجلد ظهرها ورجليها وأسفلها وخفّفها، قلت: فأين قول الله سبحانه وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ؟


(١) في النسخة الثانية: مضرف
(٢) القصص: ٨٥.
(٣) في النسخة الثانية: النشأة والنشآة. [.....]
(٤) في النسخة الثانية: يشدخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>