ويظهر براءتكم لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يعني من الذين جاءوا بالإفك مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ جزاء ما اجترح من الذنب والمعصية.
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ والذي تحمّل معظمه فبدا بالخوض فيه، وقراءة العامة كِبْرَهُ:
بكسر الكاف، وقرأ خليل والأعرج ويعقوب الحضرمي بضم الكاف.
قال أبو عمرو بن العلاء: هو خطأ لأن الكبر بضم الكاف في الولاء والسن، ومنه الحديث: الولاء للكبر، وهو أكبر ولد الرجل من الذكورة وأقربهم إليه نسبا.
وقال الكسائي: هما لغتان مثل صفر وصفر، واختلف المفسّرون في المعنيّ بقوله وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ.
فقال قوم: هو حسّان بن ثابت.
روى داود بن أبي هند عن عامر الشعبي أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسّان، وما تمثلت به إلّا رجوت له الجنة، قوله لأبي سفيان:
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
فانّ أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
أتشتمه ولست له بكفؤ ... فشرّكما لخيركما الفداء
لساني صارم لا عيب فيه ... وبحري لا تكدّره الدلاء «١»
فقيل: يا أم المؤمنين أليس الله يقول وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ.
قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم؟ أليس قد ذهب بصره وكنع بالسيف.
وروى أبو الضحى عن مسروق قال: كنت عند عائشة فدخل حسّان بن ثابت فأمرت فألقي له وسادة، فلمّا خرج قلت لعائشة: تدعين هذا الرجل يدخل عليك وقد قال ما قال، وأنزل الله سبحانه فيه وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ؟.
فقالت: وأىّ عذاب أشد من العمى، ولعلّ الله يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره، وقالت: انه كان يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وقال آخرون: بل هو عبد الله بن أبي سلول وأصحابه.
روى ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة قالت في حديث الإفك: ثمّ ركبت وأخذ صفوان بالزمام فمررنا بملإ من المنافقين وكانت عادتهم أن ينزلوا منتبذين من الناس. فقال عبد الله بن
(١) جامع البيان للطبري: ١٨/ ١١٥.