للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتخفيف هاهنا وفي سورة ق، وقرأ الآخرون بالتشديد فيهما على معنى تنشق السماء بالغمام أي عن الغمام، والباء وعن يتعاقبان كما يقال: رميت عن القوس وبالقوس بمعنى واحد.

وقال المفسّرون: وهو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم، وهو الذي قال الله سبحانه وتعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ «١» .

وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا هكذا قراءة العامة، وقرأ ابن كثير وننزل بنونين الملائكة نصب الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ خالصا وبطلت ممالك غيره وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً صعبا شديدا نظيرها قوله سبحانه فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ «٢» والخطاب يدلّ على أنّه على المؤمنين يسير.

وفي الحديث: إنّه ليهوّن يوم القيامة على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة صلّاها في دار الدنيا.

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ الآية.

نزلت في عقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف وكانا متحابّين وذلك أنّ عقبة كان لا يقدم من سفر إلّا صنع طعاما فدعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلّم، فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاما فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الى طعامه، فلمّا قرّب الطعام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله» فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلّم من طعامه وكان أبىّ بن خلف غائبا، فلمّا أخبر بالقصة قال: صبأت يا عقبة: قال: لا والله ما أصبأت ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي ألّا أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم، فشهدت له فطعم.

فقال أبىّ: ما أنا بالذي أرضى منك أبدا إلّا أن تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ عنقه، ففعل ذلك عقبة وأخد رحم دابّة فألقاها بين كتفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا ألقاك خارجا من مكّة إلّا علوت رأسك بالسيف» [٨١] . فقتل عقبة يوم بدر صبرا، وأما أبىّ بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلّم بيده يوم أحد في المنابزة، وأنزل الله فيهما هذه الآية «٣» .

وقال الضحّاك: لمّا بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم عاد بزاقه في وجهه وانشعب شعبتين فأحرق خدّيه، فكان أثر ذلك فيه حتّى الموت.


(١) سورة البقرة: ٢١٠.
(٢) المدّثّر: ٩- ١٠.
(٣) الدرّ المنثور: ٥/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>