للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قوم: ذكر الصفة لمجاورتها المذكر وهو قوله هم، على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه الى مذكر، وتأنيث المذكر إذا أضافوه الى مؤنّث، كقول الأعشى:

وتشرق بالقول الذي قد أذعته ... كما شرقت صدر القناة من الدم «١»

وقال العجاج:

لما رأى متن السماء أبعدت.

وقيل: لما كان الخضوع وهو المتعارف من بني آدم أخرج الأعناق مخرج بني آدم كقوله وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «٢» وقوله سبحانه يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ «٣» ومنه قول الشاعر:

تمززتها والديك يدعو صباحه ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا «٤»

وقيل: إنما قال خاضِعِينَ «٥» فعبّر بالأعناق عن جميع الأبدان، والعرب تعبّر ببعض الشيء عن كله كقوله بِما قَدَّمَتْ يَداكَ «٦» وقوله أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ «٧» ونحوهما.

قال مجاهد: أراد بالأعناق هاهنا الرؤساء والكبراء، وقيل: أراد بالأعناق الجماعات والطوائف من الناس، يقال: جاء القوم عنقا أي طوائف وعصبا كقول الشاعر:

انّ العراق وأهله عنق ... إليك فهيت هيتا «٨»

وقرأ ابن أبي عبلة: فظلّت أعناقهم لها خاضعة.

وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ أي وعظ وتذكير مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ في الوحي والتنزيل إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا أخبار وعواقب وجزاء ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وهذا وعيد لهم أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ لون وصنف من النبات ممّا يأكل الناس والأنعام كَرِيمٍ حسن يكرم على الناس، يقال: نخلة كريمة إذا طاب حملها وناقة كريمة إذا كثر لبنها.

أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن


(١) تفسير القرطبي: ٩/ ١٣٢.
(٢) سورة يوسف: ٤.
(٣) سورة النمل: ١٨.
(٤) لسان العرب: ٦/ ٣٥٥.
(٥) في النسخة الثانية زيادة: لأجل رؤوس الآي ليكون على نسق واحد، وقيل: أراد: فظلّوا خاضعين.
(٦) سورة الحج: ١٠.
(٧) سورة الإسراء: ١٣.
(٨) لسان العرب: ١٠/ ٢٧٣. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>