للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النار، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره»

[١٠٧] «١» ، ثم قرأ أبو عبيدة أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

وقيل معناه: بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ سلطانه وقدرته وفيمن حولها.

وقال آخرون: هذا التبريك عائد إلى موسى والملائكة، ومجاز الآية: بورك من في طلب النار وقصدها بالقرب منها، وهذا كما يقال: بلغ فلان البلد إذا قرب منه، وورد فلان الماء لا يريدون أنّه في وسطه، ويقال: أعط من في الدار، يريدون من هو فيها مقيم أو شريك وإن لم يكن في الوقت في الدار، ونحوها كثير.

ومعنى الآية: بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين حول النار، وهذا تحيّة من الله سبحانه لموسى وتكرمة له كما حيّا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ.

وقال بعضهم: هذه البركة راجعة إلى النار نفسها.

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أنّه قال: معناه بوركت النار، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى قال: حدّثنا أحمد بن نجدة قال: حدّثنا الحمّاني قال: حدّثنا هشيم قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سمعت أبيّا يقرؤها: أن بوركت النار ومن حولها، وتقدير هذا التفسير أنّ (من) تأتي في الكلام بمعنى (ما) ، كقوله سبحانه وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ «٢» وقوله فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ «٣» الآية و (ما) قد تكون صلة في كثير من المواضع كقوله جُنْدٌ ما هُنالِكَ «٤» وعَمَّا قَلِيلٍ «٥» فمعنى الآية بورك في النار وفيمن حولها وهم الملائكة وموسى (عليه السلام) ، فسمّى النار مباركة كما سمّى البقعة مباركة فقال فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ.

وأمّا وجه قوله بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ فإنّ العرب تقول: باركك الله، وبارك فيك، وبارك عليك وبارك لك، أربع لغات، قال الشاعر:

فبوركت مولودا وبوركت ناشيا ... وبوركت عند الشيب إذ أنت أشيب «٦»


(١) مسند أحمد: ٤/ ٤٠١.
(٢) سورة الحجر: ٢٠.
(٣) سورة النور: ٤٥.
(٤) سورة ص: ١١.
(٥) سورة المؤمنون: ٤٠.
(٦) تفسير القرطبي: ١٣/ ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>