يذبحك، ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهى إلى العسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له:
ويلك أين غبت في نومك هذا، فلقد توعدك نبي الله وأخبروه بما قال.
فقال الهدهد: أوما استثنى رسول الله؟ قالوا: بلى، قال: أو ليأتيني بعذر بيّن. ثم طار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه. فقال العقاب: قد أتيتك به يا نبي الله.
فلما قرب الهدهد منه رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا لسليمان، فلمّا دنا منه أخذ برأسه فمدّه إليه وقال له: أين كنت؟ لأعذّبنك عذابا شديدا، فقال له الهدهد: يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله سبحانه، فلمّا سمع ذلك سليمان ارتعد وعفا عنه.
أخبرني الحسن بن محمد الثقفي قال: حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدّثنا محمد ابن إبراهيم بن أبي الرجال ببغداد قال: حدّثنا إبراهيم بن بسطام عن أبي قتيبة عن الحسن بن أبي جعفر الجعفري عن الزبير بن حريث عن عكرمة قال: إنّما صرف سليمان (عليه السلام) عن ذبح الهدهد لبرّه بوالديه.
قالوا: ثم سأله فقال: ما الذي أبطا بك عنّي؟ فقال الهدهد: ما أخبر الله في قوله فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ قراءة العامّة بضم الكاف، وقرأ عاصم ويعقوب وأبو حاتم بفتحه وهما لغتان مشهورتان.
فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ علمت ما لم تعلم وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ قرأ الحسن وأبو عمرو وابن أبي إسحاق وحميد وابن كثير في رواية البزي من سبأَ ولسبأ مفتوحة الهمزتين غير مصروفة، ردّوها الى القبيلة، وهي اختيار أبي عبيد، وقرأ الباقون بالجرّ، جعلوه اسم رجل وبه
نطق الخبر أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم سئل عن سبأ فقال: كان رجلا له عشرة من البنين يتيامن من ستة ويتشاءم من أربعة، وسنذكر أسماءهم وقصتهم في سورة سبأ إن شاء الله عزّ وجل
، وقال الشاعر:
الواردون وتيم في ذرى سبا ... قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس «١»
بِنَبَإٍ بخبر يَقِينٍ لا شكّ فيه.
قال وهب: قال الهدهد: إنّي أدركت ملكا لم يبلغه ملكك.
إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ واسمها بلقيس بنت الشيرح، وهو الهدهاد وقيل: شراحيل ابن ذي حدن بن اليشرج بن الحرث بن قيس بن صفى بن سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان، وكان أبو بلقيس الذي يسمّى اليشرج ويلقّب بالهدهاد ملكا عظيم الشأن قد ولد له أربعون ملكا،
(١) جامع البيان للطبري: ١٤/ ١٥٥.